ما يزال السادة المبررون العميان يمارسون أكثر طرق التضليل والتجاهل والعبط فى مواجهة حرائق تهدد البلد، ومازال هناك من يتساءل عما إذا كان لدى الرئيس وجماعة الإخوان خطوات يمكن أن يتخذوها وحلول لمواجهة ما يجرى، بينما ظلوا طوال شهرين يفوتون الفرص ويدفعون نحو الصدام. كانت المظاهرات المليونية التى اجتاحت مصر معلن عنها وعن مواعيدها وأماكنها منذ أسابيع، واكتفى الرئيس مرسى وجماعة الإخوان بالتعامل مع الأمر بأكبر قدر من الاستهتار، ومارسوا كالعادة عملية تحريض وشحن، وتم تحريك عدة مئات من أنصاره مضافا إليهم آلاف من المشحونين بالأجر، هددوا وتوعدوا، لكن تهديداتهم مثلهم بدت نوعا من المسخرة. ورأينا عددا من البلطجية والإرهابيين المتقاعدين يستعرضون. ويقللون من حجم التظاهرات التى خرجت كالعادة مفاجئة وضخمة، وكان عدد من خرجوا فى بعض القرى المصرية ضد الرئيس وجماعته يفوق أعداد عصابات حمادة وتوتو.
جماعة الإخوان ورئيسهم لم يتعلموا من تجربة قريبة لنظام مبارك، وكرروا ما فعله بالمسطرة، أشاعوا أن من ينظمون المظاهرات هم الأقباط وفلول مبارك وأنصار شفيق، ثم علقوا الفشل والترهل والطائفية فى رقبة الإعلام، وتناسوا أن رئيسهم وجماعتهم هم من شقوا الشعب وقسموه إلى مصريين وإخوان.. خرج الملايين فى مظاهرات غير مسبوقة هى الأضخم فى التاريخ، وبقيت الرئاسة وأنصار الجماعة فى نفس الحالة، أطلقت الرئاسة متحدثين تائهين مغيبين لا يمكن فهم ما يريدون قوله، بينما الرئيس نفسه فى خطاب «البنزيمة والجركن» اكتفى باتهامات وثرثرات لا تليق برئيس دولة، لكل مواطنيه، وإنما تليق برئيس لجماعة انفصلت تماما عن الشعب وتجاوزت فى غيها وأنانيتها أعتى الأنظمة المتسلطة، مع فشل مزمن وغرور مستحكم.
لم ينتبه مرسى إلى أن جماعته أصبحت فى جانب وباقى الشعب فى جانب، والمظاهرات التى خرجت ضد جماعة مرسى فى الأقاليم والقرى والمدن لا تحتاج إلى إعلام يشحنها ولا متآمرين يمولونها، لأن الجماعة أصبحت فى نظر المصريين أكبر مؤامرة، وإذا كان الشعب مايزال يطالب بمحاكمة ومحاسبة قتلة المتظاهرين فى يناير 2011، والبحث عن القناصة الذين اغتالوا المتظاهرين، ونرى قناصة الجماعة يصيدون المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد، ويردون بأن هؤلاء كانوا يتظاهرون ويهاجمون مكتب الإرشاد، ويبررون القتل بالرصاص الحى وبنادق القناصة، ثم إنهم يتجاهلون كيف تحول مكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة بهذه السرعة إلى رمز للشر مثلما كانت مقرات الحزب الوطنى المنحل.
ومع إدانة كل أشكال العنف، لا ننسى أنه تم اقتحام وحرق مقرات الحزب الوطنى، بعد سنوات، بينما تحولت مراكز الجماعة وحزبها إلى نفس الموقف بعد عام، ولا ترى الجماعة أنها أصبحت فى جانب وأغلبية الشعب فى جانب. ويسعون مع منافقيهم لترويج تفسيرات طائفية وفلولية، بينما هم الذين كانوا حلفاء الفلول وظهيرهم، ومازالوا.
الأهم أن أغلبية القتلى والجرحى من خصوم الجماعة فى المقطم وأسيوط وقبلها الاتحادية. وعليه فإن الأمر تجاوز فكرة منح فرصة للرئيس، فقد كان يمكن أن يمنح الشعب فرصة لرئيس للجميع، لكنهم يرفضون رئيسا لجماعته وحزبه وأهله، وليس لبلد كبير أصبح على شفا الحرب. ومازالوا مغيبين. لأنهم لا يرون من الغربال ولا من الإخوان.