الثورة تستعيد عافيتها، المصريون يسجلون فخرًا جديدًا فى التاريخ، كان الاعتقاد السائد أن الثورة التى تأتى بعد ثورة يفصل بينهما عشرات السنين، وهاهو الشعب المصرى يثبت خطأ هذا الاعتقاد، يثور بعد عامين ونصف عام من جديد، يدوس بأقدامه على كل المدعين، يخرج فى سلمية رائعة، يجلجل بالهتافات، يرفع علم مصر، يغنى فى ميدان التحرير بصوت واحد رائعة عبدالحليم حافظ: «أحلف بسماها وترابها»، يصطف الجميع فى لحمة وطنية رائعة، لا فرق بين مسلم ومسيحى، وبين رجل وامرأة، وبين شاب وشيخ، هى مصر التى نعرفها، مصر التنوع الكبيرة على فهم «الأهل والعشيرة».
خرج المصريون بأطيافهم تحت شعار «ارحل»، نزعوا كذبة كبيرة كان يمررها الإخوان بأنهم الذين صنعوا ثورة 25 يناير، وأنهم كما زعم مذيعهم أحمد منصور الذين أعدوا البيانات وغرف العمليات.
بعد شهرين من حكم مرسى، سألت المفكر المحترم الدكتور رؤوف حامد، صاحب المؤلفات المستقبلية الهامة، تنبأ فى إحداها عام 2009 بأن مصر ستشهد ثورة خلال عامين، وذلك وفقا لرؤية تاريخية لديه تقوم على أن كل 30 عاما تشهد مصر حدثا كبيرا، سألت الدكتور رؤوف: «هل سيسقط حكم الإخوان؟»، أجاب: «نعم فى حدود من سبع إلى ثمانى سنوات، وستشهد أحداث عنف».
لم يتوقع أحد أن هذا السقوط سيأتى بكل هذه السرعة الفائقة، سنة واحدة ظهرت فيها جماعة الإخوان على حقيقتها، لا شىء لديهم يقدمونه للشعب المصرى غير طائفية تأكل أبناءه، وأخونة للمناصب، وتكفير لكل من يعارضهم، وتهديد ووعيد، سجلوا تفوقًا بسرعة الصاروخ عما كان يفعله نظام مبارك فى المصريين، صدقوا أن قوة تنظيمهم تستطيع قهر منافسيهم، ونسوا أن فضاء الجماهير قادر على ابتلاع قوة وجبروت أى تنظيم.
لم تقرأ جماعة الإخوان، ولم يقرأ حكم الأهل والعشيرة تاريخ مصر، لم يقدموا اعتذارا واحدا عن أى فعل خطأ ارتكبوه، لم يمارسوا نقدا ذاتيا كما تفعل الأحزاب الديمقراطية المحترمة، لم يتقدموا بمشروع وطنى جامع يصدقه الناس ويضحون من أجله.
خرج المصريون بالملايين، وفى هذا الخروج لابد للجميع أن يتذكر عاصم عبدالماجد الذى هدد وتوعد، الذى قال إن الصعيد سيرسل مائة ألف صعيدى ليؤدبوا المعارضين لمرسى، الذى قال إن هناك رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها، يتذكرونه لأنه استفز المصريين بما فيه الكفاية، فخرج الملايين أمس الأول ليردوا ويهتفون: «ارحل.. ارحل».
يتذكرون عصام العريان ومحمد البلتاجى وعصام سلطان وصفوت حجازى ومحمد عبدالمقصود وأبو العلا ماضى، الذين نظروا إلى الشعب المصرى من ثقب إبرة، وظنوه جناح بعوضة، فرد الملايين بكل هذه القوة والعظمة.
يتذكرون يوسف القرضاوى الذى أفتى بعدم الخروج على الحاكم، لأن الحاكم هو من جماعة الإخوان، فرد الملايين عليه بالخروج فى الميادين.
يتذكرون جماعة وأهل وعشيرة، نظموا عرضا فى فنون الاشتباك بميدان رابعة العدوية تحمل تبشيرا بالعنف، فرد عليهم الشعب بالهتافات.
مصر العظيمة تنتفض، مصر العظيمة تستعيد عافيتها، مصر العظيمة تبعث برسالتها القوية المؤمنة بالغد إلى الذين لا يفهمون حقيقة هذا الشعب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة