طبيعى أن يختلف الناس فى وجهات النظر فى تفسير ما يرون. لكن ليس طبيعيا ألا يروا ما هو أمامهم. لقد كانت آفة حكم الإخوان أنهم لا يروا ما أمامهم ولا ما حولهم. كتبت فى هذا كثيرا. وتفسيرى له كان دائما بسيطا جدا، أنه هكذا تفعل دائما التنظيمات التى تقوم على أساس طائفى، أى التى تستخدم الدين فى السياسة. أوضح مثال على ذلك من العصر الحديث هو دولة إسرائيل التى لا تزال لا ترى شعبا فى فلسطين. لكن الفارق كبير بين الوضع فى إسرائيل والوضع فى مصر. فى إسرائيل استطاعت الصهيونية العالمية مع الدول الاستعمارية، إنجلترا بالأساس، أن تطرد الكثيرين من الشعب الفلسطينى وتحتل أرضه. ويزيد عدد سكانها من الصهاينة أو اليهود على عدد ما تبقى من الفلسطينيين. الدولة الصهيونية قامت بعد عمليات إبادة معروفة فى التاريخ وإخلاء الأرض من مواطنيها الفلسطينيين. فى مصر وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم والشعب المصرى كله على أرضه. أغلقت على نفسها كطائفة ولم تعد ترى الشعب واعتبرته غير موجود وهو موجود! الإخوان هكذا ليسوا طائفيين فقط، ولكن صورة هزلية من الحكم الطائفى. لذلك كان لا بد أن ينتهى هذه النهاية. وهذه النهاية هى موضوعى اليوم. فالغالبية من الشعب والمثقفين اعتبرت ما جرى مرحلة جديدة من ثورة يناير. وهناك من يغالى ويعتبرها ثورة. ولكن هناك من أسرع واعتبرها انقلابا باعتبار تدخل الجيش فى المرحلة الأخيرة. لاحظ ذلك من فضلك. المرحلة الأخيرة وليست الأولى مثل ما نعرفه عن الانقلابات. أتفهم موقف أوباما الذى ظل عامين ونصف يبنى نظاما عميلا فى مصر ثم فوجئ أن هذا النظام انتهى فى ثلاثة أيام. صدمة كبيرة طبعا على المستوى الشخصى والمستوى السياسى لنوايا الولايات المتحدة فى المنطقة. أتفهم موقفه وأضحك وأتذكر أولاد البلد حين يلخصون أمرا كهذا بأنه زى الضرب على القفا! وأتفهم موقف أردوغان رئيس وزراء تركيا الذى وجد فى حكم الإخوان مجالا حيويا للنفوذ التركى، العثمانى القديم، فى بلد كبير مثل مصر. لكن أيضا أرتكاريا الجيش هناك وراء اندفاعه فى وصف ما جرى بالانقلاب. والخوف من تطور المظاهرات فى بلده التى هى استلهام مبكر للثورة المصرية. لكن لا أتفهم أبدا موقف بعض المصريين من الكتاب والسياسيين والمفكرين؟ ليس لأن لهم أى مصالح مع الإخوان، ولا لأنهم عملاء لأى نظام خارجى كما يصورهم البعض. هذا كله لا أحبه ولا أحب أن أقوله. لا أتفهم موقفهم لأنهم صاروا مثل الإخوان لا يرون ويحكمون على ما جرى بثقافة قديمة أو بكتب ودراسات راح زمنها. وتفصيلا لهذا كله فالجميع قد رأوا أن الجيش من البداية -منذ بدأت حملة تمرد- أعلن أنه لن يكون مع طرف ضد طرف. وأنه سيكون حريصا على أمن البلاد وأمن الجميع وكذلك أعلنت وزارة الداخلية قبل أسبوع أو أكثر من 30 يونيو. وانتشرت قوات الجيش فى البلاد بأوامر من رئيس الجمهورية نفسه وليس سرا لحماية مؤسساتها الكبرى، وذهب رئيس الجمهورية نفسه وبنفسه إلى أكبر مكان للحماية وهو مقر الحرس الجمهورى. وجاء يوم 30 يونيو فخرجت الملايين الحاشدة إلى الشوارع والميادين وظل الجيش والداخلية على حيادهما. بل خطب الرئيس خطبة لا معنى لها؛ وجهها للجيش والشرطة وليس للشعب فأكد أنه الرئيس الأعلى للجيش والشرطة ووصف رجالها بأنهم رجال من ذهب. ولم يكن نصيب الشعب من الخطبة إلا الحفاظ على الشرعية، متجاهلا أن من أعطوه هذه الشرعية الآن فى الشوارع أضعاف أضعاف الأصوات التى حصل عليها. طبيعى ألا يرى إلا المصلحة له ولأهله وعشيرته ومصلحتهم فى مغازلة الجيش والشرطة. غير مدرك ما جرى فى الشرطة من تذمر من قياداتها الصغرى من دورهم القديم، حماية النظام، وغير مدرك أن الجيش لن يقف مكتوف الأيدى إذا تصادم الشعب، خاصة أن عشيرة الرئيس خرجت من قبل إلى تقاطع رابعة العدوية ومن بعد إلى ميدان نهضة مصر. لقد قدم الجيش محاولة لرأب الصدع تكررت كثيرا والرئيس هو الذى رفض كل شىء. ولم تتوقف المحاولات لرأب الصدع حتى اللحظات الأخيرة وهو يرفض ولم يكن باقيا إلا الحرب الأهلية. أو التدخل الخارجى الذى ظهرت بوادره فى تحرك الأسطول الأمريكى وسفن أمريكية بالاقتراب من سواحلنا. بل تكشف الصحف الأوروبية الآن عن محاولات للاتحاد الأوروبى تمت لإقناع الرئيس أن يفعل أقل شىء، وهو إقالة الوزارة وإقالة النائب العام قبل 30 يونيو ثم النظر فى أمر الانتخابات الرئاسية المبكرة فيما بعد، وكيف وافقت المعارضة المصرية لكنه للأسف لم يوافق. استراح إلى أنه الرئيس الأعلى لكل شىء معتمدا على الغوث الخارجى الذى كان يمكن أن يكون حربا تشنها أمريكا على مصر. هل رأيتم أكثر من ذلك استهانة بالوطن والبلاد؟ كل ذلك حدث وكان فيه الرئيس صخرة تتكسر عليها كل المحاولات. ماذا يمكن أن يفعل الجيش الذى أعلن مبكرا أنه بعيد عن السياسة؟ هل ينتظر الحرب الأهلية أم ينتظر التدخل الخارجى؟ انضم إلى الثوار وجرى ما جرى. من الذى ارتكب الخطأ هنا؟ سألوا فى إنجلترا تونى بلير هل توافق على تدخل الجيش البريطانى إذا خرجت المظاهرات تطالب بإقالة رئيس الوزراء فقال إن الجيش البريطانى لن يتدخل لكن أيضا رئيس الوزراء لن يبقى فى الحكم إذا خرجت الحشود الهائلة تطالبه بذلك وسيستقيل. هذا مربط الفرس. والذين يقولون، ولا يزالون، إن ما جرى فى مصر انقلاب لم يروا ما جرى أمام أعينهم. ويضربون الأمثلة التاريخية وكلها أمثلة عن تحرك الجيش بينما الشعب نائم فى بيوته! كما فعل أستاذنا الكبير طارق البشرى فى مقاله بجريدة الشروق، فهل هذا ما جرى فى مصر؟ لم يحدث فى أى انقلاب أن ثار الشعب ثم سانده الجيش. لكن هكذا تثيرهم حساسة وجود الجيش فى المشهد فلا يرون ما جرى أمامهم ويبحثون فى التاريخ عن نموذج مشابه فلا يجدون ورغم ذلك يقولون إنه انقلاب. لاحظ أيضا سيادتك أن أكبر من وضع الجيش فى المشهد هم الإخوان بالدستور الذى سلقوه وبموقفهم من الثورة بعد 11 فبراير 2011. لا تنسوا ذلك ربنا يكرمكم فى رمضان، لن أقول إن من يقولون بالانقلاب أقرب إلى الإخوان أو إخوان أو خلايا نائمة، ولن أقول إنهم ممثلون لأمريكا ومصالحها كما يتهمهم الشباب الثائر الغاضب العنيف على صفحات الإنترنت. فقط سأقول كيف حقا لم تروا ما جرى. وكيف حقا لا ترون حتى الآن. تكونت حكومة مدنية ويتم التجهيز لدستور أفضل بعده انتخابات نيابية وبعده انتخابات رئاسية. هل تفعل الانقلابات ذلك؟ أتصور أن تقولوا إننا نحذر من عودة النظام القديم على حساب القوى المدنية بعد ذلك، وهذا هام جدا وربما كانت المعركة الكبيرة القادمة. خاصة أننا بالفعل بدأنا نرى من يهاجم ثورة يناير والقول بثورة 30 يونيو لمجرد التحاق الجيش بها. أتصور أنكم تعززون الطرف الأول فى المعادلة وهو الثوار وقوى الثورة الذين بدأوا والذين لن ينتهوا، لكن أن تغفلوا ما رأيتم منهم وتقولوا انقلابا فهذا والله فى أحسن حالاته تطبيق خائب لقراءات قديمة. والأهم عدم رؤية، بالبصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة