أكثر من أربعة وعشرين مسلسلا مصريا، تزخر بها الشاشات المصرية والعربية فى شهر رمضان، تتراوح مستوياتها ما بين الممتاز إلى الجيد إلى الردىء، وإن كان أغلبها جيدا، بل أكثر من جيد، مما يدفع المشاهد أن يسأل نفسه: مادمنا نستطيع أن نقدم دراما جيدة متقنة، فلمَ يتم حرمان المشاهد طوال العام من مسلسلات جديدة، ويتم حشو الشاشات بالمسلسلات التركى، وتتوقف صناعة الدراما بآلاف العاملين فيها، ونكتفى بإنتاجها لمدة شهر واحد وكأنها كنافة أو قطايف لا يأكلها الأكيلة إلا لشهر واحد فى السنة؟.
صار هذا الحديث وتكراره يبعث على الإحساس بالسخف والضيق، لأن السؤال واحد، والإجابة أيضاً واحدة، الإعلانات لا تغطى ثمن المسلسلات إلا فى رمضان، وحين تسأل وتقول إن الإعلانات المصاحبة للتركى فى غير رمضان بالهبل، يردون عليك بأن الجمهور مقبل على التركى، فترد لتقول: «طب ما الجمهور مقبل على المصرى فى رمضان»، خاصة لو كان جيدا، ونفس هذا الجمهور لو منحته منتجا جيدا طوال العام سيقبل عليه.
انتصف الشهر الكريم، مما يمنح المشاهد والناقد معا الحق فى أن يفصل بين الجيد والردىء فى الأعمال الرمضانية، سواء برامج أو مسلسلات.
ذات: حين قرأت تلك الرواية التى كتبها صنع الله إبراهيم، رأيتها رواية عبقرية صعبة القراءة، والأصعب فى الكتابة.. رواية تحمل تاريخ مصر منذ الخمسينيات حتى وقتنا الحالى، تجمع بين التسجيلية والروائية، وشعرت أنه عمل أدبى رفيع يستحق القراءة أكثر من مرة وقد فعلت.
وحين عرفت بتحويلها لمسلسل وضعت يدى على قلبى، فمن ذا الذى سيستطيع أن يحول تلك القطعة الأدبية الفريدة إلى صورة وحكاية تليفزيونية، وانتظرت متحفزة خائفة على الرواية التى عشقتها، فإذا بى أجدنى أمام عمل تليفزيونى كتبته الشابة مريم ناعوم، وأخرجته كاملة أبوذكرى ببراعة وحرفية وقيمة تضيف للعمل الأدبى ولا تخصم منه، بل من العدالة أن أقول إن ناعوم قدمت عملا أدبياً موازياً لعمل صنع الله إبراهيم، واستطاعت المخرجة أن تحوله إلى عمل تليفزيونى روائى وتسجيلى من خلال الصورة، ومن فضائل هذا العمل كما كتابته وإخراجه أيضاً عنصر التمثيل، فنحن أمام بطلة هى نيللى كريم، تاريخها التمثيلى لم يحو أعمالاً عبقرية الأداء، ولكنها فى هذا الدور تستطيع حقاً أن تقف على قدم المساواة مع كبار ممثلى مصر العظماء، أما باسم السمرة هذا الممثل غليظ الملامح، فهو بهذا الدور وغيره يستطيع ببساطة أن يحفر اسم مدرسة باسمه فى الأداء، ولا أستطيع أن أتجاهل أيا من أبطال العمل، مثل انتصار، وعمر السعيد، وهانى عادل، وأحمد كمال، وليلى سامى، وناهد السباعى، وحنان يوسف، وغيرهم.. كتيبة من المبدعين قدمت لنا مسلسلا يستحق أن يمثلنا فى جوائز «إيمى» للأعمال التليفزيونية، وتستحق شركة مصر العالمية المنتجة له أن تفخر به، ونشكرها عليه. مسلسل ذات مسلسل مصرى.. أم التركى.
«بدون ذكر أسماء».. مسلسل كتبه وحيد حامد، وإخراج تامر محسن، وهو اسم جديد على الدراما التليفزيونية.. مسلسل يتتبع حال عدة شخصيات مصرية منذ الثمانينيات حتى وقتنا الحالى، لنرى فيهم كيف كنا وماذا أصبحنا.. مسلسل استطاع أن يتخلص من أهم آفات الدراما التليفزيونية وهو الإطالة، وكعادة وحيد حامد، ساحر القلم الذى يحفر بحكاياته تاريخنا، استطاع أن يكون على قدم المساواة مع الكاتب المخضرم.. ويمنحنا الممثلون مفاجآت فتقف روبى فى أول تجاربها التليفزيونية فى دور فتاة الشوارع مبسوطة وكأنها غول تمثيل، فلا تصدق أن تلك هى الفتاة الصغيرة التى عرفناها أول ما عرفناها ترقص بعجلة كانت مثار تعجب وانتقاد وصل لمجلس الشعب فى حينها، ممثلة صغيرة من طراز رفيع واكتشاف يجب استثماره، أحمد الفيشاوى كعادته ممثل موهوب بإفراط، فتسأل نفسك كمشاهد لمَ لا يتألق هذا الشاب أكثر.. وجوه مثل حورية فرغلى، وسهر الصايغ، والوجه الجديد وليد فواز فى دور معتمد، والكبار مثل أحمد حلاوة، وأحمد راتب، وصفوة، وفريدة سيف النصر، وعشرات غيرهم يقدمون عملا دراميا يصرخ بأعلى صوته: مسلسلات مصرى.. أم التركى.
والبقية الأسبوع المقبل إن كان فى العمر بقية!