فكرة الغيبة أساسية فى الفكر الشيعى، الذى يقول إن الإمام الثانى عشر غاب فى سرداب، وأن الشيعة الاثنى عشرية ينتظرون عودته، عودة الغائب، ترتبط فكرة الغيبة بالغموض، ومنح هالة على الغائب لدى أتباعه، لكى يتحول من مجرد بشر عادى وإنسان إلى إمام غائب، يحدد مصير التاريخ والإنسان والعالم. كل من ذهب إلى رابعة العدوية من التيار الإسلامى، يتحدث عن شعور جارف بالروح الدينية، بالطبع المأزق والأزمة يخلقان تعاليا عليها بالمشاعر الدينية الجياشة التى تعكس التضامن والدفء بين المعتصمين، هنا شعور الجماعة الذى يمثل تياراً كهربياً يسرى فى أعصاب كل المتواجدين، فيشعرون جميعاً بحالة من النشوة الدينية التى تعطيهم إلهام تصاغر الدنيا، وزيفها من أجل الآخرة، رغم أن أغلب الموجودين عليهم مسؤوليات اجتماعية وحياتية متصلة بالعائلة وبالأولاد والزوجة والآباء والأمهات، وكلها مما أمر الله تعالى بصلتها، ولهم حقوق على الإنسان، وواجبات مبثوث ذكرها فى القرآن والسنة.
هذا الشعور الدينى المتعالى هو حالة نفسية، علينا أخلاقياً أن نحمى الغاصين فيه من المزيد فى الاستغراق تجاهه، بنزع القداسة عن الغائب، وإعلان المكان الذى يوجد به الرئيس المعزول بشكل واضح، وأن يزوره أبناؤه وأهله، وأن يعرف الناس وأيضاً من فى رابعة مكانه وأخباره، الحالة المتجاوزة للإنسان وعقله إلى تجسد وتمثل لعقلية الجماعة والكتلة والحشد موجودة عندنا فى الحالة الإسلامية، فجماعة جيهمان العتيبى، التى احتلت الحرم المكى، وبايعت محمد بن عبدالله العتيبى أيضاً على أنه المهدى المنتظر، كان فيها صناديد من العلماء والدعاة، ولكنهم كانوا يروون لبعضهم الرؤى التى يراها أحدهم فيراها من تحكى له، وهكذا دواليك تنتقل الرؤيا ومن ثم تكبر الأسطورة، وتتحول إلى حلم وخيال يسعى الناس لتحقيقه وهى شهود أحد ملاحم التاريخ الإسلامى الكبرى، وهى شهود المهدى وبيعته. ومن خلال ملاحظاتى على خطابات من فى رابعة العدوية ومنصتها، فإننا نجد المتحدثين يلقون الحديث عن الشهادة، وعن بذل النفس، وعن الثبات فى المعارك وعن الفرقان ومعركة بدر، ولدينا أحاديث الملاحم الكبرى والفتن واستحضارها فى وجدان الشباب الغض فى رابعة العدوية، بل إن الخطاب نفسه يصبح أشبه بحلقة تنغلق على عقل صاحبه كالقفص الذى يفرض عليه المضى قدما فى لغة خطية تصاعدية باتجاه المواجهة والموت والقتل والشهادة، ومن المؤكد أن القضية المطروحة اليوم هى قضية سياسية، وعودة الرئيس الشرعى للسلطة، والمضى قدماً فى نظام ديمقراطى، والتمسك بقيم ثورة يناير هى أهداف نبيلة ومهمة، ولكنها لا تدخل فى باب أن نبذل المهج من أجلها، كفى ما حدث، وعلينا أن نترسم طريقا أخرى للحل بعيداً عن المزيد من الدماء، لا نريد أن تصبح رابعة العدوية أسراً لنا جميعاً، وتتحول إلى ما يشبه كربلاء فى الوجدان الشيعى، علينا كإسلاميين أن نترسم خطة يكون فيها بقاء شبابنا وإنقاذه من الفكر الملحمى، وفكر الحشود، وادخار هذا الشباب لمرحلة جديدة من الصراع السياسى، فليس معنى أنك خسرت معركة أنك خسرت الحرب، قم على قدميك وانفض ملابسك، وأنظر حولك، وحدد وجهتك وطريقك وابدأ من جديد. وعلى الحكام أن يتحملوا مسؤولياتهم ويفتحوا سبيلاً لأبنائهم وإخوانهم فى رابعة، سبيلاً لكى يكونوا جزءاً من المشهد السياسى، فبدونهم ستكون مصر كالعرجاء التى تمشى على عكاز، نريد مصر للجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة