أصبحت الكتابة وجعا يوميا، وما بين الكلمة والكلمة يسقط جريح، ومن جملة لأخرى، يسقط شهيد، ويخترق الرصاص السطور، وتتناثر الأشلاء مختلطة بالخرطوش، يختفى اللون الأبيض من علم مصر، وينقسم العلم إلى علمين: «الأسود علم القاعدة»، و«الأحمر رمزاً للقتل»، يئن القلم تبكى الكلمات، الشيطان يعتلى المنصة، الشيطان يعظ، رابعة العدوية تنسحب، تترك خلوتها، لم تتحمل تعذيب البشر تحت سمعها وبصرها، تتمتم: «يارب الفقراء أغثنا.. أطفال ونساء وشباب يسقن للموت»، أمراء الحرب يئمون البشر للموت، تتبدل القبلة، ينحنى الموت أمام التوحش، وتبكى الرصاصات قبل أن تصيب الضحايا، القذائف تتشنج، تغمض عينيها قبل أن تنطلق!!
ماذا تبقى؟ الدماء تمتد من أسوان إلى القائد إبراهيم، ماذا تبقى بعد التحريض على أكل الإخوة لحم بعضهم البعض وهم أحياء؟ «العمالة» صارت لدى البعض «الفريضة الغائبة»؟، تجاوز عدد القتلى الحد المسموح بالتصالح، تتوارى السياسة، تتحول طاولات الحوار إلى منصات للمدافع، ويتحول الإخوة إلى أعداء، «حى على الجهاد»!!، الجهاد مع من؟ وضد من؟ مصر لا تعرف القسمة على «اثنين»، ولا تخضع لـ«جدول الضرب»، أدرك ذلك المماليك غير المصريين، ولم يدركها المماليك المصريون! أدركتها امرأة تدعى «شجرة الدر» ولم يدركها أشباه الرجال؟
مصر غيطان الرياح، مصر أصوات التلامذة فى الصباح، مصر شهداء الجامعة، الأزهر، الحرس الجمهورى، أسيوط، المنيا، بورسعيد، السويس، المنصورة، بنى سويف، محمد محمود، ماسبيرو، المنصة، الشهداء لا يعرفون الانحياز سوى للقائد، وما يرونه مصلحة للوطن، وهم جميعاً شهداء للثورة، القتلة من يعطون الأوامر، والأوامر تنطلق من خارج المنطق وبعيداً عن العقل، وفى خصام مع الإنسانية، أوقفوا الأوامر، نزيف الدم لن يتوقف طالما بقيت الأورام السرطانية، أمراء ومشايخ القتل، يفحون كالأفاعى، سموم الموت، الضحايا من أبناء الفقراء، من أبناء الأقاليم، أبناء الأمراء والمشايخ فى المنتجعات، وأبناء الفقراء فى القبور والمشافى، سوف يهرب الأمراء كما هرب آباؤهم من قبل، وستتحول الجماعة إلى شواهد قبور، والأمراء والمشايخ إلى مجرمى حرب، والشفاعة يوم القيامة لن تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست لأوباما، القبلة الكعبة المشرفة وليست البنتاجون!!
العمالة ليست «وجهة نظر»، ومصر فوق الجميع، لن تكون «الولاية الصغرى»، لأنها ليست ولاية وليست صغرى، ولن تقبل الدمج، ولن تعرف التقسيم، حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا تؤكد أن مصر مقبرة الغزاة، اسألوا «جنكيز خان وهولاكو، ولويس التاسع، ونابليون، وإسرائيل وإنجلترا وفرنسا، لابد أن تعلموا أن الخلافة العثمانية سقطت وبقيت مصر، لم يبق من العثمانيين إلا بعض أسماء الشوارع فى القاهرة القديمة، ولم يبق من إرهاب الجماعة والجهاد فى الماضى سوى المراجعات والندم، ودماء لم تجف بعد، ولن ينساها لكم الضحايا على مر العصور، ليس بالسلاح وحده تبنى الأوطان، السلاح للأعداء وليس للإخوة، للذود عن التراب الوطنى وليس لجلب المرتزقة والأعداء لتمزيق الوطن، مصر ليست سوريا، ولا ليبيا ولا غزة، مصر «كنانة الله فى أرضه»، مصر أكبر من إشارة مرور، وحتى التمثال الذى تستظلون به اسمه «نهضة مصر»، مصر بداية الزمان وستبقى إلى آخر الزمان، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.