من العبث فى هذه اللحظة الفارقة فى عمر البشر والحجر والوطن، أن أستغل قلمى ومساحة فى صحيفة ووقت لقارئ، فى أن أحلل وأضيف وأعيد ما يعرفه الكافة عما يحدث فى أرجاء الوطن، ولذا فمساحتى ستكون مجرد هوامش على دفتر الثورة، فلكل مصرى فى الشمال أو الجنوب، فى الشرق أو الغرب، فى كل بقعة من بقاع مصر المحروسة بإذن الله حكاية أو حكايات عاشها ومازال وتجارب تعلم منها على مدى عامين ونيف، وتلك بعض من هوامشى على دفتر الثورة:
- الفقر فى مصر يرتع والجهل والجهالة تُجاوره، ولكن فى لحظات فارقة فى تاريخ هذه الأمة نجد أنفسنا بفقرائنا بأغلب جُهالنا قد نفضنا نتائج الفقر والجهالة، واستدعينا حضارة سبعة آلاف عام وابتلعناها ولو لبعض الوقت لنواجه اللحظة متحضرين متكاتفين مترفعين على مساوئ الفقر والجهل.
تلك أمة تعرفنا ولا نعرفها ولم يأت لها حاكم حتى الآن فى عصرنا الحديث يعرف قدرها ويعرف أنه لو نفض عنها غبار الجهل ثم الفقر صارت تاجا للأمم.
أنظروا إلى أنفسكم وتصرفاتكم فى أيام ثورتكم لتعرفوا أن بعض العيب ربما فينا، ولكن العيب كل العيب على من يحكموننا، فالمصريون الآن يسعون بعضهم البعض فى الزحام وفى النظام، يضحكون فى وجه بعضهم البعض وهم من صاروا عبوساً، يبتسمون الآن لأن لديهم أملا رغم أنه لا شىء تغير بعد، ولكن مجرد الأمل فى التغيير يجعلهم أكثر إشراقاً وبهجة، تلك كلها خصائص تؤكد أن انقطاع الأمل هو أزمتنا سابقاً ولاحقاً، ولكن مجرد بزوغ طاقة أمل تجعل أغلبنا يستعيد روحه المرحة وخصائص آدميته.
أعيدوا إلينا الأمل فيعود للمصريين خصائص حضارتهم.
- تجربة خاصة وشخصية جداً مع زميل صحفى ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين كفيلة بأن تلخص حال هذه الجماعة وتشرح تكوينهم، كان هذا الزميل يعمل فى صحيفة من قبل الثورة ولم يكن للحق متميزاً، ولكنه كان يعمل على كل حال، رغم أن جهاز أمن الدولة كان يطارد رئيس التحرير ويستدعيه كل لحظة وأخرى لكى يتخلص من عضو الجماعة، ولكن رئيس التحرير الذى لا ينتمى للجماعة من قريب أو بعيد كان يرى أن مجرد الانتماء للجماعة ليس تهمة تحرم صاحبها من العمل وتعرض هذا الرجل لضغوط كثيرة من قِبل هذا الجهاز بسبب ذلك الزميل وحين زادت الضغوط للدرجة التى لا يستطيع تحملها ادعى رئيس التحرير أنه «رفد» الزميل رغم أنه أبقى عليه ولكن بشكل سرى، وكان هذا الزميل يتميز بصوت خفيض وجسد مقوص وعين تبدو دائمًا فى حالة انكسار.
جاءت يناير وما بعدها من أحداث وكان المشهد يبدو أنه يتجه إلى كفة الإخوان بالتدريج السريع، وبنفس تسارع تولى الإخوان زمام الأمور كان تسارع التغيير الملحوظ فى أخلاقيات وهيئة الزميل التابع للإخوان، فقد طالت قامة الزميل- أى والله العظيم- بعد أن كان قصيراً خفيض الرأس وصار أعلى صوتاً وأكثر حدة وأثناء جولة الانتخابات الثانية صار عدائياً على عكس ما كان من قبل، وأما بعد تولى مرسى الرئاسة فحدث ولا حرج صار يتعامل مع الزملاء بتعال واضح حتى مع رئيس التحرير الذى حماه فيما سبق حين كان ضعيفًا مطارداً، تفاصيل كثيرة لا يهمنى رصدها بقدر ما يهمنى أن أتخذها صورة مصغرة للحالة التى صارت عليها الجماعة ورجالها منذ تولى مرسى مهمة الرئاسة والتى لم تستمر إلا عامًا، فما بال لو طالت بنا الأيام، ولهذا فأنا أتفهم معركة الموت التى يريدون جر مصر إليها، فكلهم مرسى وكلهم شبعة بعد جوع، وكلهم لديهم نهم لم يستطع الانتظار حتى التمكين.
- فى مسيرة يوم 30 يونيو خرجت مثلى مثل الملايين صوب ميادين مصر نقول ارحل، تسير إلى جوارى آلاف ثم ملايين، وفى بداية المسيرة وجدت يداً تمتد إلى بزجاجة مياه باردة فى قيظ ظهيرة القاهرة نظرت إليها فى الزحام وجدتها سيدة منتقبة تجر طفليها فى يديها، وتهتف معنا ارحل، كنا نساء منا السافرة والمحجبة والمنتقبة، كنا مصر فلا تأخذوا الناس بلحية أو نقاب، نحن بلد يسعى للحرية حرية الجميع، من حقى أن أرتدى ما أريد، ومن حقك أن ترتدى ما تريد دون أن يكون ذلك إشارة لأن تصنفنى أو أصنفك، تلك هى عظمة وقيمة مصر الحاضنة لكل أبنائها على اختلافهم، فلا تفسدوا لحظتنا بغير ذلك.
- بلكونات مصر وشرفاتها التى كانت دائمًا بالنسبة لى مصدر إزعاج، لأنها مكان للكراكيب والملابس المعلقة دون جمال يُذكر صارت فجأة منذ 30 يونيو أكبر صندوق انتخابات عرفه العالم، شرفات مصر علقت العلم المصرى، إشارة لأن هذا بيت متمرد، فلهؤلاء الذين يشككون فى أعداد المتمردين مروا على شرفات مصر واحسبوا متوسط من يسكن فى كل شرفة علقت علم مصر أو لافتة تمرد لتعرفوا عدد المتمردين على جماعة الإخوان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة