من الطبيعى أن يدافع أعضاء وقيادات الإخوان عن الجماعة وخياراتها، وكان عليهم أن يدافعوا عن الجماعة بالتوقف عن الجشع والاستبعاد والاحتكار. لكن ما يحدث أن القيادات فى الواقع تدافع عن مصالحها التى اكتسبتها من السلطة والمال والنفوذ والمناصب، وهو إحساس إنسانى يمكن تفهمه، لكن لا يمكن تفهم الدفع بأبرياء للمواجهة وحشدهم فى المقدمة وشحنهم للاشتباك مع مواطنيهم، من دون أن يكون هؤلاء قادرين على امتلاك رؤية أو تصور، ويتم الدفع ببعض المحترفين ليمارسوا الشحن والتحريض على مواجهات، سوف يخسر فيها الجميع. مواجهات ما كان لها أن تحدث، لو تعاملت الجماعة وملحقاتها على أنهم مواطنون مثل غيرهم، لكنها مارست الغرور والصلف ورفضت أى انتقادات واعتبرتها أعمالا عدوانية، غير مدركة لتحولات السلطة شكلا ومضمونا، بعد يناير.
لم تستوعب الجماعة تحول نظرة الشعب إلى السلطة، والتى تختلف عن النظر للمعارض أو المستبعد. لقد تعاطف الشعب المصرى مع الإخوان وهم خارج السلطة، وتصورت الجماعة أن هذا التعاطف سوف يستمر بعد وصولهم للسلطة. وهو جزء من الحسابات الخاطئة التى تتملك التيارات والتنظيمات المغلقة.
هناك الكثير من أنصار الجماعة، يعترفون بأن الجماعة ارتكبت أخطاء كثيرة، بالجشع والطمع والكذب والإقصاء والاحتكار. وكان على هؤلاء أن يعترفوا وقتها بهذه الأخطاء، لكن حتى لو فعلوا لم تكن الجماعة تستمع إليهم.
فقد ظللنا طوال عام ننبه وننتقد والرد هو أن الآخرين لا يفهمون وأن الجماعة تعرف كل شىء. بل الغريب الآن أن الجماعة تتحدث عن نفسها أكثر مما تدافع عن الدكتور مرسى، وتسعى للتفرقة بين ما جرى فى يناير وما جرى فى يونيو، بالرغم من أن الشعب خرج فى يونيو لنفس الأسباب وبنفس الطريقة التى جرت فى يناير، الاحتكار والاستبداد والفشل الاقتصادى والاجتماعى.
انتقل فيروس التسلط من الحزب الوطنى إلى جماعة الإخوان، التى تفرغت لتمكين نفسها، وحاصرت الدكتور مرسى، وفرضت عليه برنامجها وتصوراتها، وهى رؤية عجوز شاخت وتكونت داخل تنظيم مغلق لا يستمع لغير صوته، ويمنع الانتقاد ويرفض الاستماع للأصوات المعارضة داخله، وحولت السياسة إلى مباراة فى الملاكمة والمصارعة يجب أن تنتهى بمصرع أحد الأطراف. مع رفض تقبل الاختلاف.
كان الرهان أن تكون لدى الجماعة القدرة على تفهم تطورات العصر، وانتهاء عهد احتكار الرأى والتعبير، واتساع دوائر المشاركة، لكن اكتشف خصوم الجماعة وأنصارها أنها لا تمتلك خططا وتصورات تفصيلية، وأنها غير قادرة على التفاعل مع مؤسسات الدولة، وبالرغم من الفشل، كانت تمتلك نهما للسلطة واحتلال مناصب لا تستطيع استعمالها. وأنها فقط تفرض أهل الثقة والجماعة فى كل المناصب والمواقع القيادية، وفشل هؤلاء فى تثبيت أقدامهم، بل إنهم استبعدوا من هم خارج الجماعة، الأمر الذى ضاعف من حالة العداء معهم، مثلما جرى من قبل مع الحزب الوطنى، كما أن حزب الحرية والعدالة هو الآخر أصبح رمزا للسلطة الغاشمة، مثل الحزب الوطنى. لتتكرر التجربة.
كل هذا أصبح الآن مثار جدل داخل أعضاء الجماعة، الذين رأوا قياداتهم يغامرون بالجماعة من أجل سلطة فشلوا فى استعمالها، بينما يدفع الأعضاء الثمن وينتقلون إلى خانة العداء مع مواطنيهم. هذه هى نتائج الخطط الغبية للفشل والتسلط. حيث يأكل الكبار السلطة، ويدفع الأبرياء الثمن.