كل التجارب تؤكد أنه لاتوجد ثورة جاهزة، وأن كل تجربة فى العالم لها خصوصيتها وتفاصيلها التى تختلف عن غيرها. فمصر ليست فرنسا، ولا أمريكا، وما ينفع فى رومانيا، لايصلح فى تونس. وما يجوز فى بلغاريا، لايناسب مصر. لكن ما جرى خلال شهور ما بعد الثورة أن كثيرين ممن تصدوا للتنظير الثورى، اختفوا فى زحام الفتى والهرى ، ورأينا خليطا من أنصاف نظريات السياسة وأرباع التنظيمات الثورية، مع ماتيسر من جوجل الشفهى والتحريرى. كان بعض كبار منظرى الكاميرات يستحضرون الثورة الفرنسية، والبعض يبحث عن الفكرة فى رومانيا. لكن هذا البعض لايعرف بعضا آخر تعجبه تجربة طالبان، ويعتبر أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة تنظيما ثوريا. وما زال بعض حلفاء رابعة مثلا يبدون إعجابا ويندهشون بالبيانات المتلفزة لأيمن الظواهرى، وهو يتحدث كلاما مفككا يناقض آخره أوله، بل إن رأيه فى جماعة الإخوان عبارة عن عدة آراء تتناقض وتتعارض، بل وما كان منها بعد السلطة يختلف جذريا عما كان قبلها، ناهيك عن سذاجة طرحه السياسى، وضحالة أفكاره السياسية. ومع هذا نرى بعض المنبهرين من حملة رايات القاعدة، فى مؤتمرات الجماعة واعتصاماتها، وهم يبدون إعجابا بما لايفهمون من أقوال الظواهرى وتابعيه، لايشكون لحظة أن تنظيمات الإرهاب العالمى تخوض حروبا بالوكالة عن أجهزة استخبارات وشركات سلاح. ولا يفكر هؤلاء فيمن يقف وراء تمويل هذه المنظمات التى تضم جماعات من المرتزقة والعواطلية، تتطفل على دول أو أجهزة.
مناسبة لهذا الكلام، ما رأيناه وتفرجنا عليه خلال عامين وما رأينا بعضه خلال الأيام الماضية من فيديوهات وتسجيلات لأيمن الظواهرى، يتحدث فيها عن مصر وحكمها وأوضاعها، منعزلا عن العالم ومايجرى فيه، يقول كلاما وعكسه، وعلى منصة رابعة والنهضة من يؤمنون بهذا الهراء، بل إن بعض هؤلاء كان مقربا من الرئاسة والجماعة. وهناك منهم من يخوض حربا فى مواجهة الدولة والجيش فى سيناء.
رأينا أحد زعماء التنظيمات يعلن عن مجلس حرب فى سيناء لمواجهة الدولة، وهذه هى التجارب التى يعتبرها زعماء رابعة والنهضة تجارب ثورية يحتذى بها، وربما لهذا كان المشهد يجلس فى صدارته زعماء مثل عبدالماجد، وصفوت، وبعض من يحظون بلقب شيخ، ويتزعمون المشهد، خليط من الجهل وضيق الأفق، مع الغرور، يتكسبون من هذه الحالة ويختبئون وراء الضجيج والتكفير، ومثلا محمد - شقيق أيمن الظواهرى الرجل الثانى فى قاعدة الإرهاب، احتل مكانة أيام حكم العشيرة، لمجرد أنه سجن وكان مطلوبا على ذمة تحقيقات وقضايا، يفتى بما لا يعرف، كان يتوسط مع جماعات سيناء، بل إنه خلال ندوة دعا لتسييد المجالس العرفية ومقاطعة المحاكم، مع زعم أن القوانين المطبقة مرفوضة ووضعية، هم ضد تقدم العالم الحديث، بالرغم من أنهم يزعمون المقرطة. ويزعم الظواهرى الصغير أن المجالس العرفية تحكم بالشريعة، متجاهلا أننا أمام جماعات تحكم بالهوى. وهو نموذج لعشرات الفتاوى والخطب والمفاهيم المغلوطة المستوردة من طالبان. وكما قلنا هناك من يروج لدى الناس أن طالبان تجربة سياسية ناجحة وثورية، متجاهلا كونها من صناعات الغرب وأجهزته، ناهيك عن أنها كانت تجربة أطاحت بأفغانستان مئات السنين للوراء. فهل منظرونا يعرفون هذا وهم يستوردون نظرياتهم عن الثورات قبل الأكل وبعده.