لو فكر الإخوان المسلمون بهدوء وبعيدا عن تأثيرات الحشود فى رابعة والنهضة لأدركوا أن السلطة فى مصر اليوم عبئا ثقيلا قد عافاهم الله منها، والنبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى ذر لما طلب السلطة والولاية إنك لضعيف وإنها لأمانة وإنها لخزى وندامة يوم القيامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها.
ويتخذ علماء السلف هذا الحديث عنوانا على اجتناب الولايات أى السلطة والمسؤولية عن أحوال الناس وتدبير أمورهم – خاصة لمن كان غير قادر على القيام بواجبات ومهام تلك الولاية.
الذين يطالبون فى رابعة والنهضة بعودة الرئيس مرسى وبعودة مجلس الشورى وبعودة الدستور وغيرها من الأمور التى كانت قبل 30 يونيو لو افترضنا جدلا بعودتها فكيف سيحكم الرئيس وتلك المؤسسات وقد كانت لعام كامل لديها الفرصة للقيام بواجبات السلطة والولاية والأمانة ولكنها أخفقت فى ذلك؟
الإسلاميون فى رابعة يتخذون القرار وقد أصبحوا أسرى لخطاب متصلب هم صنعوه بأنفسهم ولكنه أصبح عبئا وقيدا عليهم لا يمكنهم الفكاك منه، كما أن الحشود فى رابعة والتضامن بينها تعطى للمتواجدين من الشباب والنشطاء ومن الإخوان إحساسا زائفا بالقوة والثورة وأنهم يمكنهم تحدى العالمين ونشر رسالتهم فى الخافقين.
هذا الإحساس الزائف يعطى حلما للشباب والناشطين بأنه ما لا يدرك كله لا يترك كله، وإنه وإن كانت القوة الانقلابية الغاشمة أدالت دولة الرئيس الربانى على حد قول محمد أحمد الراشد القيادى الإخوانى فى مرثيته لفقدان الإخوان للسلطة بعنوان «الردة عن الحرية»، فلا بأس من أن نعيش حلم الخلافة الإسلامية والأخوة الإسلامية والحكم الإسلامى فى منطقة رابعة والنهضة، حيث من خلال هذه المنطقة نزحف مرة أخرى لاسترداد الدولة الكبيرة.
من يتجول ببصره فى البلدان التى يحكم فيها الإسلاميون فى تونس أو فى المغرب أو الوجود الإسلامى اللافت للجهاديين فى سوريا يكتشف بسرعة وبوضوح أن أوضاع بلدان الربيع العربى والمنطقة العربية فى غاية الصعوبة وأن تحمل الإسلاميين وحدهم لمسؤولية الحكم فى تلك البلدان لن يكون سهلا وليس نزهة وأنه من الأفضل للإسلاميين فى هذه اللحظة أن لا يكونوا طرفا فى صراع سياسى مع دولهم أو مع مجتمعاتهم لأن الإسلاميين فى الأساس هم دعاة وليسوا قضاة، وهم دعاة وليسوا حكاما.
ولا يعنى ذلك أننى أحرم الإسلاميين من الحكم أو السلطة ولكنى أقول إن هذا الحكم أو السلطة فى اللحظة الراهنة هو طبخة مسمومة من الأفضل لهم أن يؤجلوه حتى يتدربوا على كيفية الحكم وتكون لهم خبراتهم فى المستويات المختلفة المحلية والبرلمانية والتشريعية وحتى يثق الناس فيهم داخل أروقة الدول والبيروقراطية، وحتى يهذب الإسلاميون طريقة تفكيرهم من ثقافات التنظيمات والاستحواذ إلى الثقافة القائمة على المشاركة وتحمل الآراء الأخرى أو المختلفة.
إننى أدعو حكماء التحالف الوطنى لدعم الشرعية فى رابعة أن لا يضيعوا فرصة الخروج الآمن من هذه الأزمة وأقصد بالآمن عدم سد منافذ الحوار والوصول إلى نقطة النهاية التى لا بد فيها من استخدام العنف والقوة، والذى سيفتح البلاد على شر نرجو الله أن يرده عنها، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «ما كان الرفق فى شىء إلا زانه وما كان العنف فى شىء إلا شانه»، وفى الحديث أيضا: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا سفرا قطع ولاظهرا أبقى». وفى قضايا الوطن لا غالب ولا مغلوب، فكلنا مغلوبون حتى لو بدى لبعضنا أنه منتصر، لأن نصرتك على بنى وطنك وإخوانك وجلدتك، وفى قضايا الأوطان يستدعى التنازل والإغضاء تحسبا للمآلات وحفاظا على مقاصد الشريعة فى حفظ الدين والنفس والوطن.
جلبة الأصوات وتوتر المشاعر والجراح النازفة لا نرجو أن تكون ستارا يحول دون معرفة المرتجى والنظر لما هو أبعد من اللحظة الراهنة وأقول قولى هذا وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة