سعيد الشحات

البرادعى الذى لم تتعفر قدماه بتراب مصر

الجمعة، 16 أغسطس 2013 10:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد عودة الدكتور محمد البرادعى إلى مصر قبل ثورة 25 يناير، كنت ممن يقولون إن المشكلة الحقيقية فى هذا الرجل، أن قدميه لم تتعفرا بتراب مصر بما فيه الكفاية، لم يجُب الرجل قراها ونجوعها وشوارعها الفقيرة حتى يعرف وجعها الحقيقى، لم يترك خده لفقراء حتى يطبعون عليه قبلة، وعليه فقد كنت لا أستريح لما يقال عنه بأنه ملهم ثورة 25 يناير ومفجرها، فهذا توصيف خلعه البعض على الرجل، فى حين أن الحركة الوطنية المصرية التى اصطفت ضد نظام مبارك، كانت تشمل الكثير من الأسماء والرموز التى تعفرت قدماها بتراب مصر، وحملها هذا إلى السجن والاعتقال والمحاربة فى لقمة العيش، وكل هؤلاء جملة هم ضمير وملهمو ثورة 25 يناير الحقيقيون، وهم الذين بشروا بالثورة وعملوا لها فى وقت كان الإحباط العام يسود، وكانت شرايين التغيير فى تصلب دائم، ولما حانت لحظة ثورة يناير بشرت مصر بجيل جديد من الشباب قاد وألهم هذه الثورة، ولم يكن هؤلاء ملء السمع والبصر على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف.
لم تتعفر قدم البرادعى بتراب مصر بما فيه الكفاية، ولهذا ظل بعيداً عن الفهم العميق لتعقيدات تضاريس المشهد السياسى المصرى، الذى لا يكفى له أن يديره رجل كان يشغل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحصل على جائزة نوبل للسلام، فالوكالة بخبرائها ليست مصر بموظفيها الفقراء، ودولاب العمل فى الوكالة ليس كدولاب العمل فى وزارة أو محافظة مصرية، والتعامل مع ملف دولة نووية، ليس كالتعامل مع جماعات إرهابية تربت وترعرعت بمساندة دولية حتى تبقى شوكة فى حلق سيادة الدولة الوطنية، وضرورات الأمن القومى، وفى ذلك لا نعرف كيف كانت نظرته لما يحدث فى سيناء، وموقعها فى مسألة الأمن القومى، قد يرى الرجل أن الديمقراطية هى العلاج الناجز لكل ذلك، وقد يرى أن انخراط الجميع فى العمل السياسى هو الحل الأمثل، وكل هذا صحيح، لكن كيف يتم ذلك مع قوى ترفض هذه الخيارات، وتختار الإرهاب طريقاً وحيداً لتنفسها، كيف له أن يترك الإرهاب طريقاً لفرض الديمقراطية؟، وهل يجوز أن نترك من يعبثون بأمن بلد حتى يتم تنفيذ أجندتهم كاملة التى هى ضد كل المعانى الإنسانية؟
دخل محمد البرادعى إلى منصبه كنائب لرئيس الجمهورية بفضل ثورة الشعب المصرى، وكمطلب ملح لقوى الثورة ظنا بأنه الرجل الذى سينقل الثورة من الميادين إلى الدواوين، حتى دارت عقارب الساعة، وظهرت تضاريس مصر الحقيقية، وجاءت أول محطة اختبار له، فكانت سرعة نزوله من القطار أكبر من سرعة القطار نفسه، والمفارقة أن نزوله جاء متزامنا مع موقف أمريكا الذى رفض إعلان حالة الطوارئ لمدة شهر، مما أعطى إيحاء بأن موقف الرجل ارتبط بالموقف الأمريكى، ولم يكن هذا استنتاجا من النخبة السياسية، وإنما استنتاج من رجل الشارع العادى، وعزز اعتقاداً راج عنه بأنه «الرجل الانسحابى».
فى استقالة البرادعى، الكثير مما يقال، فسرها البعض بأنها خطوة تكتيكية منه نحو حكم مصر فى المرحلة المقبلة بالرغم من نفيه أنه سيترشح للرئاسة، فاستقالته تعنى رفع أسهمه وسط الجماعة وحلفائها، وترتفع لدى الدوائر الغربية التى سيكون الرئيس القادم لمصر هو أهم ملفاتها، لكن هذا الاعتقاد سيصطدم بقوى الثورة التى لن تنسى له استقالته، كما سيصطدم بالرغبة الشعبية التى لن تنسى له أيضا نفس الموقف، أما هو فيتحدث عن الحل السلمى عبر المفاوضات، لكن الوفود الدولية التى جاءت أعلنت فشلها فى البحث عن حلول للأزمة، والمفارقة هنا أنه وهو منسق لجبهة الإنقاذ لم يترك فرصة واحدة إلا ودعا فيها إلى استقالة مرسى، وكان ذلك بعد أن رفض مرسى وجماعته للتوصل إلى أى حلول تؤدى إلى شراكة وطنية حقيقية، فيما يعنى أنه أكبر الشهود على أن الجماعة لن تقبل أى شريك معها، وبهذا المقياس كيف له أن يصدق نفسه فى أنه من الممكن أن يكون هناك تسوية تقبلها الجماعة مهما جاءت وفود دولية زائرة؟.
استمع البرادعى إلى وجهات نظر الوفود الدولية التى زارت مصر، واللافت أنها تحدثت معه بما يتناقض مع مطالب الملايين الذين خرجوا يوم 30 يونيه، وإذا كان من الممكن تفهم أنه يريد تفادى ضغوط دولية ضد مصر، لكن يبدو أن هذه الرغبة حين تناقضت مع مطالب ملايين المصريين فى 30 يونيه، اختار هو نقيض هذه المطالب.
اختار البرادعى الطريق الأسهل لشخصه فى وقت كانت تبحث مصر فيه عن نفسها لاسترداد عافيتها، ولن ينسى له المصريون ذلك.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة