كلام كثير قيل ويقال فيما يحدث الآن فى المحروسة، من رأى أن تأخر فض اعتصام رابعة والنهضة تردد لا معنى له وضعف أمام العالم الخارجى أكثر مما هو تجاوبا مع حقوق الإنسان، ومن يرى أن فض الاعتصامين هو الطريق الصحيح الآن للثورة خاصة أنهما اعتصامين لا يمكن أن يقال عنهما سلميين تماما، فأعداد الذين يتم تعذيبهم داخل الاعتصامين تزداد وأعداد القنلى كذلك. التأخر فى فض الاعتصامين جعل البعض يقول إن هناك انقساما داخل الحكومة، وجعل آخرين يقولون أنها حرب نفسية لها تأثيرها على المعتصمين.كل ذلك صحيح أو يمكن أن يكون صحيحا. وأنا شخصيا لم يعد يهمنى الحديث عن فض الاعتصامين أو تركهما ومبررات ذلك، لأنى أرى شيئا آخر يحدث. وهو الشىء المتوقع تاريخيا لأى طائفة دينية تعمل بالسياسة. تظل الطائفة الدينية تعمل سرا لسنوات وسنوات حتى إذا وصلت إلى الحكم أكلت من أوصلها واستبدت. وطال بها الزمن أو قصر فستنتهى إلى ظاهرة فولكلورية، تشير إليها قائلا هذا ما بقى من الطوائف الإسماعيلية مثل الفاطميين أو الحشاشين أو من البهرة أو القرامطة أو غيرهم.
طوائف خرجت من قلب طائفة، كل طائفة دينية وصلت إلى الحكم انتهت إلى هذه الظاهرة الفولكلوربة مهما طال الزمن، التطور فى الدنيا كلها يرفض سيطرة الدين على السياسة، يعيد الدين إلى مكانه الأول، علاقة خاصة بين العبد والرب لا تهم أحدا غيره، قديما كان الأمر يطول، فالدولة العباسية مثلا استمرت قرونا عديدة حتى تقسمت فيما بينها وانتهت، وأكثرها انتهى إلى طوائف دينية تحكم الولايات أو بسبب طوائف دينية تريد أن تحكم، ففى مصر مثلا كان الفاطميون، واستمروا ثلاثة قرون فى مصر وأكثر منها فى المغرب العربى. الموطن الأصلى، لكن انتهوا. فى كل الأزمنة لا يمكن أن تستمر طائفة طويلا إلا بالقمع. لكن الآن نحن فى عالم مفتوح لا يخفى فيه شىء.
يمكن أن يطول الزمن بالشيعة فى إيران لقوة إيران نفسها كبلد فيه إمكانات اقتصادية وثقافية ضخمة لكن طبعا آلة القمع جبارة، ولقد بدأت فى إيران تقلبات فى المزاج العام وفى الثقافة وظهر جيل جديد يبحث عن حقوق الإنسان الحقيقية وستكون معركته طويلة مع النظام، يمكن أن يطول الأمر بإسرائيل كوطن يقوم على الفكرة الطائفية – وعد الله المختار لليهود – ممتزجة بالفكرة الصهيونية كنتاج لعصر القوميات، لكن الذى طول الفكرة الطائفية ويمكنها هنا أنها تجد نصيرا من العالم الغربى سواء بسبب ما جرى لليهود هناك عبر التاريخ من اضطهاد كان آخره أبشعه وهو الهولوكوست، أو بسبب مصالح هذا العالم الغربى فى المنطقة، والأهم بسبب تأخر المنطقة سياسيا وثقافيا واقتصاديا وعلى كل مستوى. طول الفترة اليهودية / الصهيونية يمكن أن يكون دليلا للإخوان على نجاح الطوائف فى العصر الحديث. ولابد أنهم درسوا الحركة الصهيونية جيدا واستخدموها فى جمع أعضائهم بل والزج بهم أحيانا فى الحروب ثم فاجأوا الجميع بالتقارب الشديد بينهم، بل والإخوّة التى أعلنها الرئيس المعزول محمد مرسى فى أول رسائله إلى بيريز بعد أسابيع من توليه الحكم. ويمكن أيضا أن يكون نجاح الثورة الإيرانية حتى الآن دليلا للإخوان، أو كان دليلا لهم، دون إدراك لتاريخ إيران الذى كان للمذهب الشيعى فيه تأثير كبير فى الحياة حتى فى العصر الحديث.هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تتيح المذاهب الشيعية بعض الحريات التى لا تتيحها المذاهب السنية – وخاصة بعد ظهر الوهابية - رغم أن الجميع يتصورون عكس ذلك.
وكذلك بدأت الثورة الإيرانية أصلا فى عالم لم يكن فيه موبايل ولا انترنت !. الإخوان المسلمون تصرفوا تصرف الطوائف الدينية عبر التاريخ دون أن يدركوا الآتى:
- أن مصر أمة قديمة عبرت عصورا عديدة لكن كل هذه العصور لا تزال آثارها فى أرواح المصريين. سلوكا وثقافة وموقفا من الحياة أو حبا فى الحياة.
والحديث طويل عما هو فرعونى فى حياتنا ولغتنا وما هو شيعى وما هو صوفى وما هو فرنسى وإنجليزى وإيطالى ويونانى وتركى. وكله يصب فى خانة واحدة هى حب الحياة والإقبال عليها.
- أن مصر دولة بها مسلمون وأقباط وبين المسلمين شيعة وبهائيين ولم يحدث عبر أكثر من مائة وسبعين سنة أن وقعت فتن طائفية بينهم إلا بتدبير السلطة وتدبير الإخوان وعلمائهم. وأن هذا لن ينتظر عليه المصريون كثيرا خاصة بعد أن قاموا بثورة كبيرة.
- أن مصر دولة راسخة فى التاريخ لها جيش مستقر منذ محمد على لا ينقسم بين قيادات ولا ساسة وأن هذا الجيش المعبر عن الدولة المصرية هو أيضا معبر عن الأمة المصرية ومن المستحيل أن يصبح جيشا لطائفة أو حزب.
- أن ما كانت تفعله الطائفة زمان من قتل من أوصلوها إلى الحكم أو قتل معارضيها أمر قد لا يعرفه أحد إلا بعد شهور أو سنين لكن العصر اختلف وعلى الانترنت كل حركة ونأمة للنظام السياسى أو لأى أحد فى موقع السلطة أو المعارضة.
ومن ثم لم يكن سهلا أن يمر قتل شباب الثورة فى سنة مرسى السوداء بسهولة على الثورة.
وكثير جدا غير هذا أجملته من قبل فى مقال هنا بالعمى، فى عصر مختلف وبين ثورة هى التى أوصلتها الإخوان للحكم.لذلك كان لابد أن يأتى 30 يونيو من الذين صنعوا ثورة يناير، وبسبب عمى الإخوان كطائفة انضم ليونيو الجميع حتى الذين تضرروا من يناير فماذا فعل الإخوان المسلمون؟
ظلوا على عماهم الطائفى. اعتصموا فى رابعة حقا والنهضة. وأخرجوا المظاهرات.
واستنجدوا بالخارج وبالإرهاب فى الداخل. ويتصورون أن هذا سيضعف النسيج العظيم الذى ظهر للأمة المصرية المتفتحة على العالم لا المغلقة. ويوما بعد يوم يزداد اليأس فيزداد الضحايا. يراهنون على خوف الشعب ولا يدركون أن الذى سيخاف فى النهاية هم الطائفة لأن الشعب لا يموت بينما الطوائف يمكن إبادتها. وهكذا كل يوم يسقط ضحايا من الإخوان ولا يدركون أن هذا من غبائهم. غباؤهم فى فهم الشعب المصرى وفهم المعنى الحقيقى للشرعية. وهكذا مع الموت بين صفوفهم سينفض عنهم الموالون بالمال أو بغيره. وشيئا فشيئا سيصبحون حيارى خارج التاريخ. ظاهرة فولكلورية. حتى لو أدى انكسارهم النهائى إلى عمليات مجنونة من الاغتيال أو غيره ستنتهى. هل يفهم الإخوان ذلك ؟ ربما. لكن التكوين الطائفى يغلب على الفهم. الطبع يغلب التطبع. والطبع هنا نتاج تربية طويلة من سن مبكرة. ما يكتسبه عضو الإخوان يصبح طبعا لا فهما. وهكذا يمشون إلى حتفهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة