«إنها الحربُ! قد تثقل القلبَ.. لكن خلفك عار العرب» هكذا وصف الشاعر الكبير أمل دنقل ما نراه الآن يوميا على شاشات التليفزيون وفى الجرائد والشوارع والميادين، وفى الحروب لا وقت للبكاء والتحسر والنظر إلى الخسائر ولون الدماء فى الشوارع، لا وقت لسكب الدموع و«الشهنفة»، وإحصاء القتلى والجرحى، فقد بات واضحا أن القادم أقسى، وأننا ذهبنا فى طريق التحرر الوطنى من أعدائه فى الخارج وخائنيه فى الداخل على حد سواء، وليس أمامنا سوى أن نضحى بالغالى والنفيس من أجل وطننا المشتهى.
نعم هى الحرب، وقد قرعت طبولها واشتدت معاركها، وأصبح الموت فى كل مكان، وكما فجعنا فى العام الماضى بخبر موت ستة عشر جنديا فى رمضان، نفجع اليوم بخبر موت 25 جنديا فى سيناء ، لا ذنب لهم سوى الانتماء إلى شرف الجندية المصرية، لكن قاتلهم يعتبر الشرف جريمة، وهو الذى تجرد من كل معانى الشرف والإيمان والوطنية، لنعيش فى أجواء الستينيات «وما أدراك ما الستينيات» حينما كان النشيد الوطنى «ينادى يا ثوار عدونا غدار»، والمفارقة الوحيدة بين ما جرى فى الستينيات ما يجرى الآن، هو أن «عدونا» قديما كان حليق الذقن يرتدى بدلة عسكرية صهيونية، أما الآن فعدونا ملتحٍ يرتدى جلبابا ويردد إسلامية إسلامية.
لا وقت للبكاء، ولا وقت للنقاشات والسجالات والصراعات الكلامية الفارغة، فلا منطق لمن يقولون إن «الدم كله حرام» لأنهم بمنطقهم الفاسد هذا يساوون بين المجرم والشريف، فلو كان دم المجرم حرام فلا معنى للآية الكريمة «ولكم فى القصاص حياة»، ولو كان دم المجرم حلال فمعناه أن دم الأبرياء «حلال»، وهو الأمر الذى يؤكد أن من وصفتهم سابقا بـ«المخنثين سياسيا» يمنحون القتلة والإرهابيين غطاء سياسيا يمكنهم من سفك مزيد من الدماء وقتل مزيد من الأبرياء.
لا حياة لأعداء الحياة، أقولها وأتحمل مسؤوليتها كاملة، ولا مستقبل لمن يدمرون حاضرنا ويسفكون دماءنا ويبددون أوطاننا، وإنى لأعجب من هؤلاء المخنثين الذين لا يفعلون شيئا سوى الندب والانتخاب على ما يجرى دون تقديم أية حلول منطقية، كما أنى أتعجب ممن يزعمون أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان فى حين أنهم يساعدون على إبادة الإنسان، فلا تعنى حقوق الإنسان أن نمنح القتلة حقوقا إنسانية بينما يسرقون حياتنا وأبناءنا وإخواننا، ولا معنى كذلك أن نوجه اللوم والنقد إلى أجهزة الدولة لمجرد أنها تقوم بواجبها، فقد وصل الأمر بالبعض إلى أنهم صاروا يهاجمون القوات المسلحة والشرطة والحكومة على أى فعل يفعلونه، فإن طاردت الشرطة الإرهابيين هاجموها قائلين إنها لم تراع حقوق الإنسان، وإن أشعل الإرهابيون الحرائق فى الكنائس هاجموا الشرطة أيضا زاعمين أنها لم تحم الأقباط من الإرهابيين، دون أن يسألوا أنفسهم: كيف أدافع عن المجرم والمجنى عليه فى ذات الوقت؟ ودون أن يفسروا لنا كيف يريدون غل أيدى الشرطة فى مطاردة الإرهابيين، ثم يجلدونها لأنها لم تمنع إرهابهم؟