لم أتوقف أمام شىء فى خبر القبض على المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين إلا عندما ذكر أحد الضباط لـ«اليوم السابع» أن المرشد كان نائما حينما دخلوا عليه مكمنه، فوجد الضباط والعساكر يحيطونه من كل جانب، قال الضابط إن المرشد ظل ما يقرب من دقيقة صامتا ينظر إليهم فى تأمل، لم يبد أى مقاومة، شاردا، ستون ثانية مكثها مرشد الإخوان فى مرقده، لا يعرف ماذا يفعل، ولا يعرف ماذا يقول، دخل فى غيبوبة حية، لم تستيقظ من جوارحه إلا عيناه، وقتها سألت نفسى: ترى ماذا دار فى عقل المرشد فى هذه الثوانى الستين؟
هل فكر المرشد فى مصيره بعد السجن؟ هل قال لنفسه انظر ماذا فعلت يداك؟ هل أنبه ضميره على الدماء التى تسبب فى سفكها سواء كانت دماء الإخوان أو دماء المصريين؟ هل فكر فى الهرب والمقاومة ثم أدرك أنه لا يملك من الأعوان ما يعينه عليه؟ هل تذكر أول مرة اعتقلته فيها الشرطة وقارن بين موقفه قديما وموقفه الآن؟
هل خاف من أن تغتاله الشرطة وتدعى أنه قاوم السلطات؟ هل تذكر ابنه الذى حرم نفسه من حضور جنازته واختبأ مفضلا أن يشيع الغرباء ولده على أن يلقى على ابنه نظرة أخيرة حفاظا على نفسه من السجن؟ هل دارت فى عقله أيامه الخوالى وقت أن كان يستقبل المبعوثين الغربيين والسفراء والدبلوماسيين وهو على عرش الجماعة حاكما آمرا؟
هل تذكر ذلك الهتاف الشهير «يسقط يسقط حكم المرشد» وأخذ يتابع نفسه وهو يسقط متهاويا؟ هل تذكر أنه لم يتأس فى واقعة «الاتحادية» إلا على موت النباتات؟
هل تذكر مقولة متحدثه الرسمى «محمود غزلان» عن أن فى موت شباب الجماعة فائدة لا يقدر على أن يصرح بها؟ هل حدث نفسه بأن هذه الفائدة لم تفده بشىء وأنه عاد كما كان طريدا مختبئا ينتظر الفرج؟ هل راجع نفسه وأيقن أن جنوده وماله وأتباعه وسلطاته خطاباته وقنواته وحلفاءه ونفوذه لم يغنوا عنه هل تحسر على ما وصل إليه واعترف لنفسه بذنوبه قائلا: يا ليتنى كنت ترابا؟
هل أغمض عينيه مرة أخرى ليقنع نفسه بأن ما رأته عيناه ليس حقيقيا وأنه مازال غارقا فى نومه؟ هل سبق ذهنه الأحداث وتخيل نفسه نائما فى السجن وأن الجنود الذين يحيطون به جاؤوا لينفذوا فيه حكم الإعدام؟ هل تذكر محمد الجندى كريستى والحسينى أبوضيف وجيكا وقال لنفسه هذا ما قدمت يداى؟ هل تذكر أم محمد الجندى وهى تبتهل إلى الله لينتقم ممن قتلوا ابنها مثلما قتلوه حيا وميتا؟ هل تمنى الموت أو خاف منه؟ هل تذكر طفل سيدى جابر الذى قذف به أتباعه من أعلى سطوح المنزل لأنه يعارض رئيسه؟ أم تذكر طفل دمنهور الذى مات وهو يظن أنه يدافع عن الله؟
هل عرف أن الدنيا «غرورة وكدابة» وأنها غرته فاستقوى وكذبت عليه فهوى؟ هل تذكر قوله تعالى «أليس لى ملك مصر» أم تذكر قوله تعالى «اليوم ننجيك ببدنك»؟
ستون ثانية، فقط ستون ثانية، لا أعرف على وجه التحديد ما الذى دار فيها، لكن من المؤكد أن تلك الثوانى الستين فصلت ما بين الحق والأوهام، ما بين النوم والاستيقاظ؟ ما بين الواقع والخيال؟ ليفيق بعدها واضعا يده على وجهه متأهبا لما سوف يراه.