«لا تحلموا بظهور سيسى جديد فى تونس»، وهكذا أصبح الجنرال المصرى القوى حلما للتونسيين وكابوسا لراشد الغنوشى رئيس حزب النهضة الإسلامية الحاكم، الذى أصابه الخوف ونصح المعارضة التونسية بأن تقبل ما يقدمه لها من تنازلات بعد استعلاء وعناد، خوفا من أن يكون مصيره ومآل حزبه مثل مرسى والإخوان، وأن تهب على بلاده رياح ثورة 25 يناير فتجرف فى طريقها نظاما فاشيا آخر ركب ثورات الربيع العربى، وخطط للبقاء فى الحكم 500 سنة قادمة برغبة الشعوب أو رغم أنفها، إلا أن ضربة السيسى أجهضت كل شىء وحركت فى الناس الرغبة فى رفع راية الاستقلال الوطنى والقضاء على التبعية ومقاومة الضغوط الخارجية، وأعادت إلى الأذهان الحنين إلى استعادة مصر القوية مرفوعة الرأس.
أصبح عداء الإخوان وتنظيمهم الدولى للسيسى أكثر من ثأرهم التاريخى مع عبدالناصر، فكلاهما كان الصخرة التى تحطمت عليها أحلام الخلافة والسلطة والحكم، فعندما أرادوا أن يبتلعوا ثورة يوليو ويتعشوا بعبدالناصر تغدى بهم وقضى على تآمرهم وأعادهم إلى الجحور والسجون إلى أن أعادهم السادات للحياة فى السبعينيات، أما السيسى فقد انتزع من بين أنيابهم السلطة والحكم والقصر، وضرب شرعيتهم الكاذبة التى أوشكت أن تقضى على شرعية الوطن، وأعاد الروح لشعب كاد أن يفقد الأمل فى الحياة، وهو يرى تلك الجماعة تدمر وطنه بمكوناته الثلاثة «الشعب والأرض والسيادة».
صدمة الغنوشى سوف تزداد عمقا كلما نجحت تجربة السيسى، وكلما أحرزت مصر تقدما على خارطة الطريق، وسوف توقظ آمال الشعب التونسى فى استلهام روح الثورة المصرية، واسترجاع وطنهم الرائع العاشق للحضارة والثقافة والفنون من أنياب نفس الجماعة الفاشية التى أسقطها المصريون، وتحكم تونس بنفس أدوات الاستحواذ والإقصاء والتعالى والغرور والأنانية وتفكيك الدولة وإدخالها حظيرة التنظيم الدولى.. فالشعوب التى ثارت ضد الديكتاتورية والفساد لا يمكن أن تستسلم لأنظمة أكثر ديكتاتورية وفسادا، بعد أن تأكدت أن هذه الجماعات الفاشية لا تتورع فى حرق بلادها وقتل مواطنيها من أجل الحكم. لن يستسلم الإخوان وتنظيمهم الدولى والغنوشى للهزيمة الفادحة فى الساحة المصرية، ولن يتورعوا فى استخدام كل الأسلحة غير المشروعة والقتل وسفك الدماء، فهى معركتهم الأخيرة التى حاربوا من أجلها على مدى ثمانين عاما، وبعد أن حققوا أحلامهم التى كانت مستحيلة جاء من يوقظهم على الواقع المرير، وأن الشعوب تلفظهم وتدين جرائمهم وترفض العودة للعصور الظلامية والحكم بالنار والحديد والسياف والجلاد، وسوف توجه كل سهامهم إلى مصر وشعبها وجيشها وأجهزتها الأمنية لإجهاض ثورة 25 يناير التى أصبحت ملهمة للشعوب التى تحلم بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وأعادت مصر إلى موقع القلب النابض للأمة العربية. لن يستسلموا كلما زادت مساحة الدعم والتأييد من الشعوب والحكومات العربية التى كانوا يظنونها احتياطيا استراتيجيا لتنظيمهم، وبعد أن أعادت ثورة الشعب المصرى اللحمة والدفء والعلاقات الحميمية مع السعودية والإمارات والكويت والأردن، ومهدت هذه الدول الطريق إلى موقف عربى موحد ضد التنظيمات الإرهابية، ودعم مصر والشد على يدها ورفع الضغوط الدولية عنها، ووجهوا رسالة للعالم بأن مصر لا تقف وحدها فى المعركة، ووراءها تأييد عربى لم تشهد مثله منذ حرب أكتوبر 73، لأنها تواجه مؤامرة دولية متعددة الأطراف تستهدف المنطقة كلها وإسقاط دولها واحدة وراء الأخرى، وأن مصر تخوض حربا شرسة نيابة عن كل الشعوب التى تكتوى بنار الإرهاب.