وائل السمرى

لكى لا نسقط فى لعنة الله

الخميس، 22 أغسطس 2013 12:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى كثير من الأحيان أنتظر شهورا حتى أبدى رأيا فى واقعة ما، ولعلك تذكر أننى لم أتناول واقعة النائب السلفى الذى تم ضبطه متلبسا بالفعل الفاضح «على ونيس» إلا بعد أن حكمت المحكمة بإدانته، أما الآن، فإن التوقف كثيرا أمام الأخبار والروايات بات واجبا أكثر من أى وقت مضى، وذلك لأن مجتمعنا أصبح مجتمعا «شائعاتيا» من الطراز الأول، فكل واحد يلون الوقائع بما يريد، حتى أن الكثيرين الآن يصيغون آراءهم وتخميناتهم باعتبارها أخبارا، وسرعان ما يدعم «الخبر» بالتحليلات والتفسيرات التى تلهيك عن التأكد من صحة الخبر، وتغرقك فى الرد على التحليلات والتفسيرات والنقاشات التى بنيت أساسا على معلومة مغلوطة، وأبرز دليل على هذا ما تم تناوله عقب «موقعة الغدر» التى أودت بحياة 25 جنديا مصريا فى رفح، من أن الداخلية أو القوات المسلحة هى المخطئة فى عدم تأمين هؤلاء الجنود الأبرار، وبسرعة البرق انتشرت الأكاذيب على لسان بعض تافهى جماعة الإخوان ومغرضيها التى تدعى أن الحادثة المفجعة مدبرة، والدليل هو عدم تأمين هذه المجموعة الكبيرة من الجنود، والحقيقة أن كل هذه الأقاويل المغرضة التى لا تساوى ثمن الورق الذى كتبت عليه، بنيت على معلومة خاطئة، تفترض أن هؤلاء الجنود كانوا فى الخدمة، والحقيقة خلاف هذا، إذ إن هؤلاء الشهداء الأبرار كانوا أنهوا خدمتهم بالفعل، وأنهم كانوا «مدنيين» وأن زيارتهم إلى مناطق تجنيدهم كانت بسبب الحصول على شهادة نهاية الخدمة، ومن غير المقبول أن تعين الداخلية «حراسة» على كل فرد يدخل إلى سيناء، غير أن هذا بالطبع ما لا ينظر إليه المغرضون، لأن الحقائق تنير، والمعلومة تكشف، بينما هم كالخفافيش تماما، لا يعيشون إلا فى الظلام ولا يتقوتون إلا على الدماء.

المقدمة السابقة والمثال الذى أوردته تدليلا عليها، لم تكن إلا تمهيدا للخوض فى واقعة قتل 36 متهما فى عربة ترحيلات سجن أبو زعبل، فحينما قرأت الخبر عبر بيانات وزارة الداخلية، وقعت فى حيرة، فالبيانات بدت متضاربة مرتبكة لا توضح شيئا، ثم وبعد ساعات من وقوع الجريمة قالت الوزارة، إن القتلى الـ36 كانوا يعتزمون الهروب واختطفوا ضابطا وأصابوه بعدة إصابات ثم حررته القوات من بين أيديهم، وألقت عليهم القنابل المسيلة للدموع التى كان أثرها قاتلا، فاختنق 36 إنسانا، وماتوا جميعا، أما الضابط فتم نقله إلى المستشفى ليتلقى العلاج، غير أنى حينما قرأت تلك الرواية، لم أصدقها كلها، لأن بها ثغرات كبيرة كفيلة بأن تنسفها من أساسها، فكيف اختطف المتهمون الضابط؟ وكيف تم تحريره من بين أيديهم؟ وكيف مات المتهمون (والمتهم برىء حتى تثبت إدانته) دون أن يموت الضابط برغم أنه من المفترض أن يكون بجانبهم بالعربة؟

هذه الأسئلة جعلتنى أتشكك فى رواية الداخلية، ولأنى لم أجد رواية منطقية أخرى تفسر ما حدث توقفت عن الخوض فى هذه القضية، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن وقاف» وإنى أوثر عدم الخوض فى أمر لا أعرف تفاصيله، ولا أقتنع بروايته على أن أخوض دون علم فتحدث كوارث، لكنى أيضا أعلم أن رسول الله قال «لعن الله قوما ضاع الحق بينهم»، وأنا لا أريد أن يضيع الحق بيننا، فتصبح حياتنا بلا معنى، ويصبح موتنا بلا ثمن، وأمام انتشار العديد من الروايات التى تؤكد أن المتهمين قتلوا بإلقاء القنابل المسيلة للدموع عمدا، وأن هناك ضابطا تصرف بهذا الشكل من تلقاء نفسه، وأن المتهمين الأبرياء–حتى تثبت إدانتهم- عانوا ثلاث ساعات داخل العربة المميتة، دون أن يسعفهم أحد حتى قضوا، ولذا.. فأطالب بإجراء تحقيق عادل مستقل فى هذه الواقعة، وأن تعلن تفاصيله على الرأى العام، وأن يحاكم المخطئون محاكمة عادلة، وهو الأمر الذى ينسحب بالضرورة على واقعة قتل الزميل الصحفى تامر عبد الرؤوف فى البحيرة.

أعلم أن الدولة تخوض حربا ضروسا على الإرهاب، وأعلم أن رجال الأمن سواء كانوا من رجال وزارة الداخلية، أو من رجال القوات المسلحة، يبذلون الغالى والنفيس من أجل تأميننا، والحفاظ على حياتنا، وأعرف أن الأجواء متوترة والأوضاع ملتهبة، لكنى أعرف أيضا أن غياب العدالة، كان السبب الأول فى انتفاضتنا فى كل من يناير ويونيو، ولنتذكر جميعا أن «اللعنة» هى التطور الطبيعى لضياع الحق بيننا، فلا تلعنونا بغياب العدالة، ولا تشوهوا الثورة بالتستر على الأخطاء.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة