ومازلنا فى سياق معارك الصورة والفيديو، وهى معارك تحول الضحايا إلى صور وأرقام، وليس إلى لحم ودم. ومن حيث يرتدى البعض ملابس إنسانية وحيادية يقعون فى فخاخ العنصرية والتمييز. ومن حيث يرفعون رايات «الدم كله حرام» يتعاملون مع دم واحد، ولا نجد عند الإنسانيين نفس القوة فى التفاعل مع شهداء الشرطة والإرهاب، لأنهم لا يجلبون الشهرة. والأبرياء عادة يروحون فطيس الإعلام من كل الأطراف. مثلا ضحايا بولاق أبوالعلا الذين تم اغتيالهم، من قبل مسلحين منسوبين للإخوان، لمجرد أنهم كانوا يطلون من البلكونات. لم يهتم بهم أحد ولا بدمهم، وتجاهلهم هؤلاء الذين يعلنون أنهم يهتزون من كل الدم الحرام.
والحقيقة أن من يستطيع الوصول للإعلام هو فقط الذى يحظى بالاهتمام. حتى فى الاعتقالات، يهتم الحقوقيون بالمشاهير المعتقلين، ويطنشوا الغلابة، غير المشهورين وممكن تجد خمسين محاميا مع معتقل أو مسجون واحد مشهور، ولا تجد محاميا مع عشرين مسجونا مجهولا. ولا يمنع هذا من حملات لمساندة المعتقلين المجهولين من باب ذر الرماد. لا تنتهى لشىء.
فى قضية ضحايا رابعة، كان التركيز على الأرقام، يتحول القتلى إلى مجرد أرقام، يفضل أن يكونوا آلافا أو مئات، ومن الصعب أن تجد تركيزا على هؤلاء وحياتهم ومن هم، يتحولون إلى رقم ضخم فى قوائم الحملات الإعلامية، ويحتل المشاهير الصدارة من القتلى والجرحى، ابن فلان أو علان، لكن المواطن العادى الذى كان مجرد كومبارس فى الاعتصامات، يتم تجاهله حيا وميتا، كان فى حياته مجرد نقطة فى زحام الهتافات، وميتا مجرد جثة ضمن جثث مرصوصة باحتراف. وفى سياق الحروب الإعلامية الأشطر فى توظيف الجثث يفوز.
أما عن السياسى والمستقبلى، هناك من يصعب التعرف على وجهة نظرهم، فهم يقدمون أنفسهم على أنهم إنسانيون، لن تجد لديهم اهتماما كبيرا بضحايا غلابة من الشرطة والجيش أو المجهولين، ويفضلون إرضاء الخارج. سياسيا يريدون إرضاء الجميع، يشتم الواحد منهم الإخوان وإرهابها وأنانيتها، والسلطة بفاشيتها المحتملة، ومؤيدو الجماعة بوصفهم أغبياء، ومؤيدى الدولة بوصفهم مش فاهمين، وبعد أن يصدر للناس صورة المفكر العميق المتعدد المعارف، والأكثر قدرة على التكهن بمستقبل العالم، والقارئ الوحيد لكفوف الدينا يعتبر أنه أرضى ضميره وحصل على ما يكفى من «شير» وشهادات بالموضوعية.
هؤلاء بالرغم من إنسانيتهم المهولة، يقعون عادة فى فخ العنصرية والتمييز، يفشلون فى تقديم مخارج أو مداخل لما هو قائم، وغالبا يخاصمون الواقع ويقدمون رؤى مرتبكة يحرصون على أن تكون غامضة.
بين هؤلاء من هو صادق بالفعل، وحائر، ينقح عليه ضميره بصدق، فيدافع عن حقوق الإنسان بعمومها، ويعترف بالحيرة والارتباك. ومنهم من هو متورط سياسيا ومنحاز بحكم العمل. هناك منظمات اتضح أنها تتبع جماعة الإخوان، ولا يمكن التعامل مع ما تنتجه على أنه موضوعى، وكثير منها يخلط بين السياسى والحقوقى. وهناك قطاع يضطر للسير فى اتجاه الإدانة حتى لا يخسر التمويل، لأنه مرتبط بتمويلات أوروبية وأمريكية لديها اشتراطات أو مواقف تفرضها على تابعيها. والنتيجة أن الأشطر يفوز فى حرب الصور، بينما يخسر الضحايا والكومبارس والمضحوك عليهم.