فى الجدل المحتدم الآن حول الانتخابات البرلمانية بالنظام الفردى أم بالقائمة النسبية، هناك حقائق يجب ألا نغفلها فى الحالتين، وجميعها تأتى من تجربة مصر الانتخابية فى ظلهما، فمنذ أن عرفت مصر نظام القائمة النسبية فى عام 1984 ثم عام 1987، وانتخابات عام 2011، لم نشهد حياة برلمانية مستقرة، بدءا من العوار القانونى والدستورى الذى ينظم هذه الانتخابات، مرورا باضطراب علاقة النائب الذى ينجح فيها بدائرته الانتخابية، حيث تتسع هذه الدائرة إلى الحد الذى قد تجد فيه جزءا كبيرا من هذه الدائرة دون نائب لها، بعد أن كان هذا الجزء له نائب فى ظل النظام الفردى.
قادت هذه الحالة إلى تشوهات فى العلاقة بين النواب وأبناء الدائرة، وشعور لدى الناخب بأن صوته هو الذى لم يأت بهذا النائب، وإنما جاء بفضل نظام انتخابى يخضع لحسابات معقدة، وكانت الممارسات السيئة لبعض النواب تعزز هذا الاعتقاد.
فى مقابل ذلك، تعود الناخبون على أن النائب الذى ينجح فى ظل النظام الفردى ولأن دائرته صغيرة بالقياس إلى دوائر القوائم، لابد له من الحفاظ على التواصل مع دائرته إذا كان يخطط للنجاح فى الانتخابات التالية، ويؤخذ هذا التواصل أشكالا مختلفة بدءا من مشاركة النائب ظروف الناس الاجتماعية، ورفع مطالب دائرته إلى البرلمان فردية كانت أو جماعية، وفى ظل سوء أداء المجالس المحلية كان النائب يعوض هذا السوء مما يزيد أعباءه، لكن إجمالى هذه الحالة يخلق ما أسميه بـ«نائب تحت الجلد» أى تحت أمر ناخبيه فى كل لحظة، ويجب ألا نتعالى على هذا الأمر بمفاهيم مغلوطة، مثل أن النائب البرلمانى ليس نائب خدمات، ففى الدول الديمقراطية تكون خدمة أبناء الدائرة واحدا من المعايير فى تقييم المرشح، وأذكر مثلا فى قضية التمويل الأجنبى التى كان متهما فيها أمريكيون، أن مصريا يعيش فى أمريكا، قال لى إن نواب الكونجرس الأمريكى للدوائر التى ينتمى إليها هؤلاء المتهمون، كانوا يتصلون به لمعرفة أى معلومة لطمأنة ذويهم.
ومع ذكر هذه المزايا، يرى معارضوها أنها تؤدى إلى هيمنة رأس المال، فالمرشح القادر ماليا يستطيع شراء الأصوات، والإنفاق ببذخ على الدعاية، مما يعد تزويرا ناعما، أما التزوير الخشن فكان فى «تقفيل اللجان» بتسويد البطاقات للناخبين الذين يتغيبون، وكان ذلك هو الأسوأ على الإطلاق، وبواسطتها كنا نرى مرشحين ينجحون، بينما لا يستطيعون الحصول على أصوات عائلتهم، وأدى الإشراف القضائى إلى القضاء على هذا النوع من التزوير الذى كان فضيحة بكل المقاييس.
يبقى فى ذلك أن عملية الإنفاق المالى للمرشحين يمكن ضبطها بالقانون وعدم التهاون فى تفعيله على الجميع، مما يؤدى إلى وقوف المرشحين جميعا على مسافة واحدة، وفى ذاكرتنا نواب نجحوا فى دوائرهم رغم أنهم معارضون، مثل محمد عبدالعليم داود، وسعد عبود، وعلاء عبدالمنعم ومصطفى الجندى وأبوالعز الحريرى والبدرى فرغلى وكمال أحمد وغيرهم، وفى الانتخابات الأخيرة نجحت أسماء خاضت التجربة لأول مرة مثل عمرو حمزاوى وعمرو الشوبكى ومصطفى النجار.
ومن هذه الخلفية تشير التجربة إلى أن النظام الفردى هو الأفضل على الأقل فى الانتخابات المقبلة حتى يتم وضع نظام انتخابى بالقائمة صحيح دستوريا ومحل اتفاق بين القوى السياسية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة