سواء اختلفت أو اتفقت مع رجب طيب أردوغان فهو رئيس وزراء نجح خلال عشر سنوات فى تنفيذ برنامج اقتصادى نقل تركيا إلى مصاف الدول الحديثة. يضاف إلى ذلك ماكينة إعلامية ناجحة كانت تصوره فى صورة السياسى المتواضع الشعبى، وتم تسويق صورته وهو يجرى مكالمة من سوبر ماركت، أو يشارك عمال النظافة الطعام وغيرها من بين سبل الدعاية الكلاسيكية.
أردوغان كان يملأ الدنيا بالتصريحات الهجومية على إسرائيل، ويعلن أنه يساند غزة وحماس، بينما يعقد مع إسرائيل اتفاقيات عسكرية يستورد منها بل يصدر لها السلاح الذى كانت تستخدمه بالتأكيد فى ضرب الفلسطينيين. ومع هذا فقد كان يحظى بتأييد هواة الحنجرة، بصفته من زعماء المواجهة، بالرغم من أن مواجهته كانت صوتية، بينما كان هناك أنظمة تتعرض لهجوم بالرغم من أنها لم تكن تعقد ربع اتفاقات أردوغان مع إسرائيل، التى تراعى احتياجاته النفسية وتتيح له أن يهاجمها علنا، بينما يتبادل معها السلاح والصفقات. ثم إنه انقلب على حليفته السابقة سوريا لإرضاء أمريكا والغرب أكثر من حرصه على مصالح الشعب السورى. فقد واصل دعم الأسد حتى تلقى إشارات بمصالح أكبر مع الغرب، ولا يمانع من الاشتراك بمشروع استعمارى طالما ربح منه.
أردوغان إذن تاجر سياسى، يستخدم الخطاب المزدوج للدعاية، بما فيها تجربته الأخيرة تجاه الإخوان فى مصر، فالرجل الذى يشعر بتراجع منحنى النجاح، وطال بقاؤه فى الحكم، أقام شبكات من المصالح والتداخلات السياسية، وبدأت الاتهامات حول الفساد من حوله تتناثر، وهى صفات أى نظام حكم تطول مدة بقائه. وربما راهن على أن تحالفه مع نظام حكم ضعيف فى مصر يمكن أن تفتح لنظامه طاقات من التعاون. وراهن على توسيع التعاون مع نظام الإخوان لإقامة منطقة حرة توفر فرص عمل واستثمارات ومنافذ.
وربما لهذا يشعر أردوغان بالخسارة وليس بالحزن، على مرسى وجماعته، فضلا على أن له مصالح أخرى مع قيادات الجماعة، واستثماراتها فى بلاده، التى لا شك ستتأثر بما حدث. ولهذا تنازل عن الكثير من صورته، وأصبح عصبيا، لا يخفى حالة من الشحتفة، ويتورط فى تصريحات تفتقد للحنكة السابقة، وتصل إلى حد البذاءة، بل إنه تورط فى تصريحات أغضبت منه حليفته إسرائيل فردت عليه وأحرجته.
أردوغان يدلى بتصريحات حول مصر فقط، ولا تظهر له أية أقوال تجاه تونس مثلا أو أى دولة فى العالم، أو حتى إسرائيل، وربما لو كان صادقا وبذل ربع ما يفعله الآن لنصح الإخوان لتغيرت الكثير من الأحوال، لكنه ظل يساند حكما فاشلا ومتسلطا، ربما لأنه كان يفضل نظاما ساذجا يضمن له تنفيذ خطط ومصالح مع مصر تتيح نفخة تعوض شعبيته المتراجعة منذ شهور، فغادر السياسة وتحول إلى ما يشبه الناشط السياسى، فى مواجهة متظاهرين ونشطاء أتراك ينحتون شعبيته، ناهيك عن صورته التى تهاوت ويحاول إنقاذها، نقول هذا لهؤلاء الذين لاي رون صورة تاجر السياسة، وربما عليهم أن يراعوا فروق التوقيت والمصالح.