لا يمكن فصل ما يحدث الآن فى سوريا عما يحدث فى مصر.. مقدمات التهديد الأمريكى البريطانى الفرنسى بالتدخل العسكرى جاءت فى اللحظة التى تأكدت فيها هذه الدول أن مصر لن تعود إلى ما قبل 30 يونيو.
بريطانيا تهدد باستخدام القوة دون انتظار لمجلس الأمن، وتركيا أعلنت استعدادها للانضمام إلى حلف دولى ضد سوريا حتى فى غياب إجماع فى الأمم المتحدة.. هو نفس المناخ الذى سبق الحرب ضد العراق واحتلاله، وإسقاط نظام صدام حسين.
لا يفوتنا الآن أن نفهم هذا التناقض التركى بقيادة أردوغان، ففى الوقت الذى يبكى فيه على سقوط حكم الإخوان فى مصر، لأنه من وجهة نظره نظام شرعى، يضرب الشرعية الدولية بالحذاء باستعداده للانضمام لحلف دولى حتى فى غياب إجماع الأمم المتحدة. هو فى هذا التناقض يعبر عن انتهازية بالغة، ويكشف عن أن دموعه التى لا تهدأ على سقوط حكم الإخوان لا علاقة لها بمبادئ أو ديمقراطية أو شرعية، إنما هى لعبة المصالح فى المنطقة التى لخبط الشعب المصرى أوراقها.
خطط أردوغان برعاية دولية إلى حلف يقوده، يضم مصر وتركيا وتونس وقطر وليبيا وحماس فى غزة، على أن تقوم جماعة الإخوان بدور رأس الحربة فى هذا الحلف، ولعل ذلك ما يفسر الموقف السعودى الأخير المساند لمصر بقوة ضد تهديدات أمريكا وأوروبا.
خسر المخطط الأمريكى التركى لعبته فى مصر فى المدى القصير، وهو الآن يريد تعويض خسارته بتمزيق سوريا، قدّم حكم مرسى نفسه قبل سقوطه على أنه أكبر الأعداء لنظام بشار الأسد، وأعلن مرسى صراحة أثناء خطابه فى استاد القاهرة أن شعب مصر وجيشها على استعداد لتقديم كل المساعدات لإسقاط نظام بشار، وسبقه إعلان صفوت حجازى بتقديمه الرجال والسلاح إلى ما أسماهم بـ«المجاهدين» الذين يقاتلون ضد قوات الأسد.. وأعتقد أن تلك المسألة ستكون مجالاً لتحقيقات النيابة معه الآن، فربما تكون سبيلاً لمعرفة مصادر السلاح الذى دخل إلى مصر، واستخدامه ضد الجيش والشرطة بعد 30 يونيو، وما قاله مرسى وحجازى يفك الآن جزءا من شفرة غضب أمريكا وتركيا لسقوط مرسى، وحكم الإخوان.
فى لعبة التوازنات الإقليمية تقوم الدول الراعية لها بعمل المستحيل من أجل الحفاظ على الإمساك بخيوط اللعبة، مع سرعة تعويض الخسائر التى قد تأتى من حيث لا يتوقعها أحد، وما حدث يوم 30 يونيو نموذج لذلك، فمصر التى خططت لها أمريكا تمردت، وأعطت أردوغان درسا بليغا فى الإرادة الشعبية المضادة لحلفائه وأتباعه فى الداخل، ومن هنا نستطيع أن نربط بين ما سيحدث فى سوريا، وما حدث فى مصر.
لابد أن تعى الحكومة المصرية حجم المؤامرة الدولية على المنطقة، وفى القلب منها مصر، ولا بديل أمام الحكومة إلا مساندة الشعب السورى، والرفض القاطع لهذا التدخل الآثم.
التدخل العسكرى فى سوريا سيرتب نتائج كبيرة على المنطقة التى فيها إيران المساندة لسوريا، وفيها حزب الله الذى يواجه أكبر التحديات، مع مساندة صريحة من روسيا، وسواء فشل هذا التدخل أو نجح، فإن مصر ليست بعيدة عن كل ذلك، فرغم إجهاضها الحالى، فإن هناك من يسعى مستقبلاً إلى تحويلها لجثة هامدة بتفتيت سوريا التى تعد امتداداً طبيعياً لأمننا القومى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة