ما يجرى فى سوريا لا علاقة له بالشعب السورى، فقد كان السوريون يسعون من ثورتهم على نظام بشار أن يرحل نظام قمعى ليحل نظام ديمقراطى.. كانوا يطالبون بدولتهم ديمقراطية، ووجدوا أنفسهم أمام خيار يأخذ الدولة، لكنهم مع الوقت وجدوا أنفسهم أمام حرب غير مفهومة، يغيب فيها الشعب، ويحل مكانه وكلاء الحرب، وأغلبهم جماعات من خارج سوريا ترفع رايات القاعدة، أو التنظيمات المسلحة التى تعمل لصالح أجهزة، وترتيبات ليس من بينها الشعب السورى.
البعض يبرر الغزو بأن الطغاة يجلبون الغزاة، لكنهم يتجاهلون حق الشعوب فى اختيار طريقة حكمها، وكيف أن أى نظام قمعى لا يمكنه مواجهة الشعب، وهو ما بدا واضحا فى تونس واليمن ومصر التى كانت ذات تجربة مزدوجة، حيث أطاحت باستبداد مبارك والحزب الوطنى، ولما اكتشف الشعب أخطاء الاختيار عاد ليخرج فى مواجهة مرسى والإخوان. ومهما كانت ضريبة الأخطاء، فإنها لا تقارن بخيار ينتهى بتدمير الدولة والجيش والمؤسسات. الشعب يثور ضد مؤسسات أمنية وقمعية ممثلة فى قيادات يطيح بها ليستبدل بها مؤسسات ديمقراطية تخضع للرقابة الشعبية، لكن ليس بتدميرها وتفكيكها.. يقاوم الفساد بالتطهير، وليس بالفوضى، ولا بالغزو الخارجى.
لقد تم استدعاء الغزو للعراق فى مواجهة نظام قمعى، وكانت أول خطوة تفكيك الجيش العراقى، لينتهى الأمر بعشرات الأنظمة القمعية، ومئات الآلاف من الضحايا.. استبدل الغزو بشر صدام شرور أمراء الحرب والطائفية.
وفى سوريا بدأ الأمر بثورة شعبية وانتهى لحرب بالوكالة، تستبعد الشعب من المعادلة، واختفى الشعب الذى كان يريد دولته ديمقراطية، وهناك من يأخذ الدولة، ويبقى على القمع والفوضى.
وهناك فرق بين دولة تبقى بمؤسساتها، تصحح أخطاءها، أو لا دولة تغرق فى الفوضى، والأهم هو أن استدعاء الغزو والسعى لتفكيك الجيش الوطنى وجهان لسعى واحد، نراه اليوم بوضوح فى سوريا، ونرى بداياته فى مصر.. هناك من يحرض على تفكيك الجيش، ومن يستدعى الغزو، من أجل السلطة، وعلى عكس الإرادة الشعبية، لكن الفرق بين الحالين هو أن الجيش فى مصر منذ البداية اختار الدولة وليس النظام. لقد كان الجيش مدركا لما يجرى، وعندما خرج الشعب فى يناير 2011 ليطالب برحيل النظام حسم الجيش خياره مبكرا، وعرف أنه لا يمكن أن يتورط فى مواجهة الشعب، بل انحاز إليه. وفى يونيو 2013 عندما خرج الشعب مرة أخرى، وبدا أن هناك بوادر حرب أهلية، تدخّل الجيش مرة أخرى لصالح الشعب، هذا لأنه جيش وطنى وليس غيره، ربما لو كان الجيش السورى تصرف كالجيش المصرى كان يمكنه أن يحمى سوريا من أنانية نظام بشار القمعى، وتمسكه بالسلطة فى مواجهة شعب يطلب الحرية، لكن الجيش خلط بين الدولة والنظام، وهذا هو الخطر.
اليوم ونحن نرى ما يجرى فى سوريا، والذى بالتأكيد سيؤثر على مصر، يفترض على البعض أن يعيد النظر فى الدور الذى يدركه الجيش فى مصر، كونه كان وما يزال هدفا لمشروعات التقسيم، والتفكيك، وإعادة التركيب، وهى مشروعات يدعمها تحريض واضح من بعض الإخوان الذين لا يمانعون من استدعاء الغزاة من أجل السلطة، ولو فى مواجهة الشعب.. لقد اختار الجيش دائما الدولة فى مواجهة الفوضى.