على صفحات الفيس بوك وفى مقالات بعض الكتاب، وعلى ألسنة بعض المنتمين للجماعة لا تجد إلا بضعة جمل لا تزيد على أهميتها على الهواء الخارج من أفواههم، لكن بما أننا نعيش فى أزهى عصور الشائعاتية، وبما أن الشك أصبح الطبق الرئيس فى مائدة حواراتنا السياسية، توقع هذه الجمل الخاوية بعض البسطاء فى حيرة من أمر الثورة، سرعان ما تنقلب هذه الحيرة إلى حزن، والحزن إلى اكتئاب، والاكتئاب إلى غضب، وإن سألت أحدهم: لماذا أنت غاضب؟ فسيقول لك: لا أعرف، لكن الأوضاع لا تسر ومشهد الدماء مؤلم، غير مدرك أن تراكم ادعاءات المدعين هى ما سببت له هذه الأزمة، ولذا كان لزاما علينا أن نتناول بعض هذه المقولات البالية لا لأهميتها ولا منطقيتها وإنما لتلافى أثرها الهدام، وإليك بعضها.
الداخلية بعدما فضت اعتصام رابعة السلمى لم تعثر إلا على عشر رشاشات وبضعة طلقات، والاعتصام كان سلميا بدليل أن هناك أناسا كثيرين كانوا يأتون بأولادهم وبناتهم إليه، ولا يعقل أن يكون الاعتصام مسلحا لأن عدد القتلى من المعتصمين كان كثيرا بالمقارنة بعدد القتلى من الداخلية، وما حدث فى 30 يونيو ثورة أو انتفاضة تحولت لانقلاب نتيجة الممارسات الاستثنائية الكثيرة التى أجراها الفريق السيسى، وثورة 30 يونيو ليست ثورة، بل هى موجة ثورية مكملة لثورة يناير، ثم إننا ضد تدخل الجيش فى السياسة أصلا، ثم إن الدم كله حرام، ولو تورط أحد من المعتصمين أو المتظاهرين فى حمل السلاح فعلى وزارة الداخلية أن تضبط الذى أطلق النار وليس غيره.
هذا ما يقوله الإخوان ومن تأخون من فقهاء السلطان الذين ظلوا يناصرون مرسى طوال حكمه، ولما ثارت الناس ضده وجدوا أنفسهم فى حيرة من أمرهم فظلوا على نفاقهم وتبريرهم متحججين بحجج واهية متهاوية، فالادعاء بأن الاعتصام لم يكن مسلحا بدليل العثور على عشرة رشاشات وبضعة بنادق ومسدسات فقط هو ادعاء يفترض فى السامع أو القارئ السذاجة، لأنه من الطبيعى ألا تعثر الداخلية إلا على هذا العدد الضئيل، لأنه من غير المعقول أن يترك المعتصم المسلح سلاحه ويجرى، لأنه ببساطة ثمن الرشاش يزيد على العشرين ألف جنيه، ولا يعقل أن يهرب أحد المجرمين ويترك سلاحه إلا فى حالات الضرورة، أما غير ذلك فيستحيل أن يترك المجرم سلاحه، وأغلب الظن أن الأسلحة المضبوطة كانت بحوزة مجرمين قتلوا فى المعركة، أما باقى المجرمين فقد هربوا بسلاحهم، ولم نسمع أن الداخلية فتشت أحدا وهو خارج من الاعتصام، لأننا رأينا جحافل الخارجين من الاعتصام يمرون أمامنا دون تفتيش، ومن الممكن جدا أن يكونوا اصطحبوا أسلحتهم معهم. أما القول بأنه لا يوجد أسلحة بدليل أنه إذا كانت هناك أسلحة فإن عدد الضحايا سيكون أكبر، فهو قول متهاو أيضا، لأن عدد شهداء الشرطة ومصابيها كبير فعلا، فإذا قلنا إن عدد الشهداء فى اليوم الأول من الشرطة كان ما يقرب من خمسين تحولوا إلى ما يقرب من المائة فى الأيام التالية، وإن الشهداء من المدنيين بما فيهم المناهضين للإخوان والموالين لهم كانوا فى اليوم الأول حوالى 500 وأصبحوا فى الأيام التالية لأكثر من ألف، فإن النسبة تقترب من 1 : 10 وهى نسبة كبيرة جدا فى أعراف الشرطة، ولا تنسى أن هناك فارقا كبيرا بين تدريب الشرطة والجيش وتدريب عناصر الميليشيات الإخوانية، وهو الأمر الذى من شأنه أن يقلل عدد الضحايا بين الشرطة بشكل كبير، كما يجب ألا تنسى أن هناك فارقا مهولا فى الأسلحة والمعدات، فلا يعقل أن يكون معدل إصابة من يضربون متحصنين بدرع حديدى هو نفس معدل إصابة من يتحصنون فى المدرعات والمجنزرات.. نكمل غدا.