لا أحد يستطيع إنكار الدور المهم الذى قام به مثقفو مصر وكتابها فى تصدير الصحافة الثقافية للوطن العربى، كما يتفق الجميع على أن هذا ليس مناً من مصر على الأشقاء العرب، بل إن هذا الدور هو دورها وواجبها نحو الثقافة العربية والقارئ العربى، لأن مصر بتاريخها الحضارى والثقافى، وغزارة إنتاجها الإبداعى هى أكثر الدول العربية القادرة على هذا العطاء، وهو ما أعرب عنه وأكده عدد من المثقفين المصريين.
قال الكاتب حمدى عبد الرحيم، أن الصحافة المصرية هى الأعرق فى الوطن العربى، وأصبح لها تقاليدها ومدرستها الخاصة، فقد مدت الصحافة المصرية يد العون للصحافة العربية، وشمل هذا العون التدريب، ومن ثم التأسيس، ومن ثم بناء الصحف وتأسيسها.
وأضاف "عبد الرحيم"، فى تصريح لـ "اليوم السابع"، يحضرنا أن مؤسس مجلة الدوحة القطرية فى بداية الثمانينات من القرن الماضى كان الناقد المصرى الكبير الراحل رجاء النقاش، الذى استعان فى تحريرها بنخبة من ألمع الكتاب المصريين، نذكر منهم الشاعر حسن طلب، والمؤرخ صلاح عيسى، والناقد السينمائى رؤوف توفيق وغيرهم من أكبر وألمع نجوم مصر فى الأدب، والذين بفضل إسهامهم أصبحت "الدوحة" قبلة كل الكتاب العرب على تنوع أقطارهم، وقد وصل نجاح المجلة أنها كانت تنفذ فى مصر والأقطار العربية بعد صدورها بيومين رغم أنها كانت تطبع آلاف النسخ.
وأكد "عبد الرحيم" أنه لم ينكر أحد على المصريين تأسيسهم للكثير من المطبوعات العربية على مستوى الصحافة التقليدية، ونحن فى هذا المقام لا نستطيع تقديم حصر لكل الإسهامات المصرية فى مجال الصحافة الثقافية، وليس فى ذلك أى منّْ ولا أذى، فهذا دور مصر الذى يجب أن تؤديه بوصفها عمود الخيمة العربية فى كل المجالات، وليس فى الثقافة فقط.
وقال الشاعر فارس خضر، رئيس تحرير مجلة الشعر، إنه من المؤكد أن مصر هى من أسست للصحافة الثقافية فى الوطن العربى، وتجارب الكتاب المصريين فى رئاسة تحرير المجلات الثقافية فى دول الخليج خير دليل على ذلك، فمنذ "رجاء النقاش" وغيره الكثيرون من الكتاب المصريين أسسوا بالفعل للصحافة الثقافية وسعوا لتطويرها وكانت تجاربهم ناجحة بشكل واضح وملموس، على مستوى المحتوى الثقافى الحقيقى الذى تقدمه المجلة، وعلى مستوى الإدارة والتنظيم.
وأضاف "خضر"، فى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع"، إنه لا ينبغى أن ننحدر ونتحدث عن ما نفعله، فنحن لا نمن على الدول الشقيقة، فالثقافة المصرية ثقافة عربية، وهذا الدور واجبها تجاه ثقافتنا العربية، فمصر رائدة دائما فى جميع المجالات والمستويات لا على المستوى الثقافى فقط.
وأشار "خضر" إلى الدور الذى قام به الكاتب عزت القمحاوى، أثناء رئاسته تحرير مجلة الدوحة القطرية، قائلا: إن "القمحاوى" كانت له إسهامات بارزة فى العامين الذين ترأس فيهما رئاسة تحرير "الدوحة"، مؤكدا أنه من حقه إنهاء هذه التجربة وقتما يشاء، كما أن "القمحاوى" سيجد أماكن ثقافية كثيرة تفتح له ذراعيها، فهو شخص تتمنى أى مؤسسة صحفية ثقافية أن تستفيد من عقليته وخبراته.
كما قال الناقد عمر شهريار، فى تصريح خاص لـ "اليوم السابع"، إن مصر أول دولة عربية توجد بها صحافة، كما أنه عندما كتبت الرواية فى مصر كانت هناك دول عربية ليس لها وجود من الأساس، مثل "قطر"، فمصر أكثر خبرة، وأعمق حضاريا، وهذا لا إنكار لدور المثقفين العرب غير المصريين على الإطلاق، مضيفا، أن هناك أسماء مصرية مهمة لا يستطيع أحد إنكار جهودها فى تأسيس الصحافة الثقافية فى الوطن العربى خاصة الدوريات التى تصدرها دول الخليج العربى، وأتمنى أن تصبح كل المجلات الثقافية العربية أن تقدم ثقافة جيدة للقراء، وأن تتخلص من التقليدية ومن الكتاب المستهلكين الذين أصبحوا غير قادرين على تقديم جديد للقراء ومحبى الثقافة.
واستشهد "شهريار" بتجربة مجلة الدوحة قائلا، إن مجلة الدوحة تحديدا لم تشهد ازدهارا إلى مرتين فقط، الأولى فى الفترة التى ترأس تحريرها الكاتب الكبير رجاء النقاش الذى قام بدور بارز ومهم جعل مجلة الدوحة من أهم الدوريات الثقافية فى الوطن العربى، وبعده عادت مجلة الدوحة للركود والتقليدية حتى أصبحت مجلة ميتة، ولم يحدث لها ازدهار إلا منذ عامين تقريبا مع بداية ترأس الروائى والكاتب عزت القمحاوى تحريرها، فأعاد لها الحياة، كما حقق تطويرا ملحوظا في محتواها بضخ أسماء طازجة وكتاب مبدعين، وفى محتوى سلسلة "كتاب الدوحة" وطبيعة الكتب التى تقدما السلسلة، والتى بدأت مع عدد يونيو ٢٠١١ بكتاب "طبائع الاستبداد" لعبد الرحمن الكواكبى، حتى سحبت "مجلة الدوحة" البساط من تحت أكبر المجلات الثقافية فى الوطن العربى.