اعتصامات الإخوان ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بـ«السلمية» التى يتحدثون عنها، إلا إذا كانت من صنف جديد يستخدم العنف والقسوة والشراسة، سلمية عدوانية تعذّب المعارضين حتى الموت وتلقى بجثثهم فى صناديق القمامة، وتحوّل الأطفال من «مشروع مستقبل» إلى «مشروع شهيد»، وتغلق رابعة والنهضة كمناطق معزولة ومكدسة بالأسلحة والمولوتوف والخرطوش، وغير ذلك من الأفعال والأقوال التى تحدث على أرض الواقع وجعلت الكلمة تفقد معناها، فأصبحت «سلمية» كاذبة ومضللة ومدججة بالسلاح وأيديها مخضبة بالدماء، وتقف بجوار أخواتها «الشرعية» و«الأغلبية» و«الصندوق» و«الإرادة الشعبية» و«دولة القانون» وغيرها من العبارات التى يتعاطاها الإخوان ليل نهار ويسيئون استخدامها ويهدرون قيمتها ومعناها، السلمية فى الدول التى اخترعتها وتعرف معناها، هى المظلة القانونية التى تحمى المتظاهرين السلميين الذين يعبرون عن آرائهم دون عنف أو حرق أو تخريب، ولا يعطلون مصالح الناس أو يقطعون الطرق أو يحولون الميادين العامة إلى معسكرات شعبية، أما عند الإخوان فالسلمية هى التظاهر العشوائى المنظم، الذى يسبب الارتباك لأجهزة الدولة ويرهقها فى تتبع حشود المتظاهرين هنا وهناك، ويصيب الشوارع والميادين والكبارى الحيوية بالشلل التام.
وما يحدث فى رابعة العدوية اعتداء سافر على السلمية ودولة القانون، بعد أن تحول الميدان إلى مخبأ لمجموعة من العناصر الإخوانية المطلوبة أمام جهات التحقيق، ويظهرون جهارا نهارا على قناة الجزيرة لتحريض المتظاهرين على العنف وقطع الطرق والاعتداء على الجيش والشرطة، وهذه صورة شاذة وغريبة ولم تحدث فى الدول المتقدمة التى اخترعت التظاهرات السلمية، ولا حتى فى الدول المتخلفة التى تحفظ هيبتها، وتحولت السلمية إلى ممارسة كل أنواع الضغط والابتزاز على الدولة لتحقيق أفضل الشروط التفاوضية فى مرحلة ما بعد رابعة العدوية، فإما «الخروج الآمن» الذى يسمح للقتلة والمحرضين بالإفلات من يد العدالة، أو «القضاء العادل» الذى يبرئ ساحة الأبرياء ويقدم المتهمين الحقيقيين للمحاكمة أمام قاضيهم الطبيعى، السلمية عند الإخوان لها أنياب وأظافر ودروع بشرية ونساء وأطفال، وكان من الأجدر بهم - كما ينصحون غيرهم بالاحتكام إلى الصندوق - أن يفعلوا نفس الشىء ويلجأوا إلى الصندوق فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة وفقا لخارطة الطريق، بعد الانتهاء من إعداد دستور عصرى متحضر يحفظ هيبة الدولة واستقلال مؤسساتها وحريات مواطنيها، ويحوذ رضا وقبول وموافقة غالبية المصريين، بدلا من دستور 2012 المعيب الذى سيطرت عليه روح الاستحواذ والإقصاء، لكنهم لجأوا إلى الحشد والتجييش والتحريض وممارسة العنف خارج إطار السلمية التى يرفعون شعارها ويجهضون معناها، لإدراكهم أن ما حصلوا عليه بالصندوق فى الفترة الماضية لن يحصلوا عليه مرة ثانية، فهرولوا نحو أخونة الدولة والتهامها على عجل قبل أن يستيقظ الناس من الغفوة، فكانت فى العجلة الندامة. لن تستقيم الأمور فى مصر إلا إذا تم ضبط المفاهيم ومكافحة التضليل، وكم تجرع هذا الوطن من أكاذيب وأباطيل تكفى عدة دول وشعوب، فالقتلى بعضهم شهداء يدخلون الجنة وبعضهم كفار يذهبون إلى النار، وأبناء وطنى صنفان، إما أهل وعشيرة أو علمانيون ونصارى، والشرطة وطنية فى حكم مرسى وخائنة بعد عزله، والإعلاميون إما أطهار وشرفاء أو سحرة وأنجاس، وأصبحت مصر كلها «مشروع فتنة» وقودها الكذابون الذين يحركون حشود المخدوعين، ويعكرون صفو الحياة ويضربون طمأنينة الناس، ويقتلون ويحرقون ويخربون، ويقولون إن هذه هى السلمية، سلمية السلاح وإراقة الدماء وقطع الطرق وعودة مرسى حتى لو كان الثمن حرق مصر.