لو رأيت رجلا ضخما يمسك برجل ضعيف البنية ويكيل إليه الضرب واللكمات والشتائم لدرجة أن الدماء سالت من وجهه، فمن المؤكد أنك ستلعن هذا الرجل الضخم وتصفه بأنه «مفترى» و«مستقوى» وليس ببعيد أن تدعو الله أن ينال من هذا الرجل جراء استقوائه على الآخرين والتنكيل بهم، هذا إن لم تحاول أن تمنع هذا الرجل «المفترى» من ضرب «الضعيف» أو تتصل بالشرطة لتوقف عداون هذا الظالم المستبد، هذا هو الشعور الطبيعى الذى ينتاب أى شخص يرى هذا المشهد القاسى، لكن من المؤكد أن درجة سخطك ستنخفض كثيرا إذا ما علمت أن الرجل ضعيف البنية هو الذى بدأ بالاعتداء على الرجل الضخم، وستنخفض أكثر إذا ما علمت أن الرجل الضعيف تحرش بزوجة الرجل الضخم فى غيبته، ووقتها سيتبدل لسان حالك بالقول «يستاهل» بدلا من «يا حرام».
المثال السابق ليس تخمينا ولا خيالا، ومن الجائز أن تكون قد مررت به كثيرا، لكن مع الأسف ينسى بعضنا أنه خدع ذات يوم حينما أغلق عينه على مشهد بعينه ولم يوسع عينيه ليرى مقدمات المشهد ويربطها بالنتائج، ولذا أقول لك «وسع عنيك» فما نراه الآن فى مصر لا يصح معه أن نضيِّق أعيننا على مشهد واحد ثم نحسم اختياراتنا ونحدد بوصلة اتجاهاتنا، فمن الخطأ أن نرى مثلا جثة مدماة لشاب عشرينى، أو جرح غائر لرجل بالغ فنقول: إن هذا الأمر خاطئ برمته، فربما يكون هذا الشاب المقتول قد أزهق أرواح العشرات، وربما يكون هذا الرجل الدامى قد ارتكب من الجرائم ما يجعله مستحقا لما هو أكثر من الضرب.
«وسع عنيك» لا تستسلم لمن يبتزون مشاعرك الإنسانية بمعارض الجثث والآهات والدموع الصناعية، فهؤلاء المبتزين المشوهين المزيفين كانوا قبل أيام يمارسون أقسى أنواع التنكيل بالبشر والإنسانية ولم يجفل لهم بدن وهم يعذبون الأبرياء على مداخل القصر الجمهورى أو فى مقرات أحزابهم الطائفية، «وسع عنيك» وانظر إلى المشهد بأكمله، ولا تسمح لأحد بأن يحصر دائرة رؤيتك على ما يريده وكن أنت من يحدد المشهد، ولا تستسلم لمن يقول لك: إن فض الاعتصامات غير ديمقراطى، لأن هناك جانبا يريدون أن يحذفونه من المشهد، وهو أن الاعتصامات لكى تكون «اعتصامات» لابد أن تكون سلمية وغير مسلحة، ولا تستسلم أيضا لمن يقولون: إن الرئيس السابق كان مدنيا منتخبا ديمقراطيا، لأن هذا الرئيس المعزول هو من ضرب ببدهيات العمل المدنى الديمقراطى عرض الحائط، وهو الذى عطل أعمال القضاء وأقصى كل التيارات السياسية عن العمل العام، وسعى بكل ما يملك إلى تفريغ الحياة السياسية فى مصر وتجريفها، ولا تستسلم أيضا لمن يقولون لك: لا تشيطنوا جماعة الإخوان، لأنهم هم الذين حاولوا بكل جهد أن يشيطنوا كل مخالفيهم، فهذا كافر وهذا ملحد وهذا عميل وهذا متآمر وهذه دولة عميقة وهذا فلول.
وسع عنيك، ولا تستسلم أيضا لمن يقول: إن حق المواطن أهم من حق الوطن، فهذا أيضا قول حق يراد به باطل، السارق مواطن والقاتل مواطن والجاسوس مواطن، وإن كفت أيدينا عن ضرب هؤلاء المجرمين لراح الوطن وانتهى المواطن، ولا تستسلم أيضا لمن يقولون لك: إنه من الواجب علينا ألا نعاملهم بمثل معاملتهم، لأننا أرقى منهم وأنبل، لأن النبالة والرقى لا يعنى أبدا أن نترك المجرمين يعبثون بأمننا ووطننا وأملاكنا، ولو قال لك أحد مثل هذا الكلام فقل له: نعم يجب ألا نعامل المجرمين بمثل معاملتهم، ولذلك أنصحك حينما يهجم عليك لص ألا تعامله بمثل معاملته، وأن تتركه ليسرق بيتك ويقتل ابنتك ويغتصب زوجتك لأنك نبيل وراق ومتحضر.