أكرم القصاص

أنا والقرضاوى والشطرنج و«دليل»

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013 07:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل نهاية السبعينيات كنا فى بداية الشباب نقضى أيام الصيف فى لعب الكرة، ونقضى الليل فى لعبة الشطرنج، ونواظب على الصلاة فى المسجد.. كان لنا صديق «قمارتى»، محترف فى لعبة الدومينو والكوتشينة على فلوس أو طلبات.

فجأة أعلن زميلنا اعتزال القمار وفرحنا، لكنه أعلن تحريم القمار، وأيضا لعب الدومينو والطاولة للتسالى، باعتبارهما «ميسر»، وتحول إلى منصة فتاوى، كل يوم يحرم شيئاً، وكلما جادله أحد أو ناقشه رد: «دليلك».

لم نهتم وانصرفنا بلعب الشطرنج، حتى جاءنا «دليل» كما أطلقنا عليه، وأعلن أن لعب الرياضة مكروه لأنه لهو، حتى جاء يوم أعلن فيه أن الشطرنج حرام، وأن لديه أدلة كثيرة، وقدم لنا أسماء فقهاء وعلماء يؤكدون أن الشطرنج يدخل ضمن اللهو الذى يُشغل عن ذكر الله. وبدأ بعض زملائنا ينصرف عن اللعب، وبدا «دليل» وقد تفرغ لتكدير حياتنا، وفى المسجد كنا نسأل فيختلف الموجودون بين محلل ومحرم.

بعض زملائنا انصرفوا عن الشطرنج، وكنا نذهب لمكتبة مركز الشباب لقراءة الأدب والروايات والتاريخ حيث نلعب الشطرنج. وفى يوم جاءنا زميلنا أحمد فرحا، وأخبرنا أنه عثر على كتاب يؤكد أن الشطرنج حلال، ودلنا على كتاب «الحلال والحرام فى الإسلام» للشيخ يوسف القرضاوى، يقدم أدلة كثيرة عن تحليل لعبة الشطرنج وأن بعض الصحابة كانوا يلعبون، وانطلقنا إلى زميلنا «دليل» الذى لم يبدُ مقتنعا، بل إنه أخبرنا بحرمانية قراءة أى كتب غير دينية.

أنقذنا القرضاوى من تنغيص «دليل»، وأكملنا الكتب لنجد صورة الإسلام البسيطة والدين اليسر الذى يقدم لناس يعيشون حياة طبيعية.

وسقط «دليل» بتعصبه، وانصرف مع زملاء لم يكونوا نابهين فى الدراسة وانغلقوا على أنفسهم، وخاصم بعضهم التليفزيون، والبعض طالب بتكسيره، حتى جاءنا زميلنا أشرف يوما وأعلن أنه ضبط «دليل» متلبسًا بسماع أم كلثوم سرًا، وهو الذى يحرمها علنًا.

كسبنا من هذه الموقعة أننا مادمنا نقرأ فعلينا أن نبحث عن ديننا وأفكارنا فى الكتب، وأيضًا ظلت صورة الشيخ القرضاوى لفقيه يقدم الإسلام اليسير، الصالح لبشر عاديين.. وبعد سنوات تصدى القرضاوى وآخرون لموجات التكفير التى اجتاحت مصر فى الثمانينيات، وأتبعها عنف يحمل أدلة منتزعة من سياقها، لفقهاء أنصاف متعلمين.

مرت سنوات وتقلبت أحداث، ودخل القرضاوى عالم السياسة، وتنقل بين دول وأفكار، بدأ يغير آراءه ويلبسها صورة فتاوى، تنقل بين القذافى وبشار وحكام الخليج، ناهيك عن تقلبات شخصية ونزوات إنسانية، كان يقول لكل مجال ما يريده، حتى استقر فى قطر، وعالم «الجزيرة».. كانت آراؤه تأخذ أحيانا وجهًا طائفيًا، تارة لصالح الشيعة، وأخرى ضدهم، حسب اتجاه الوقت والمطلوب.. يهاجم متسلطًا بتهمة القمع، ويسالم متسلطًا آخر، ووصل إلى أن يمنح حلف الأطلسى تأييدًا فقهيًا، ويبرر التدخل هنا ويرفضه هناك، ويلبس آراءه غلافا يوظف الدين لصالح نزوات السياسة والمكاسب الدنيوية، حتى صار محرضًا على وطنه فى عمر كان يجب أن يستعيد فيها صورته.

وبعد أن أنقذنا من تطرفات «دليل»، أصبحت صورته هى نفسها صورة «دليل» متلبسًا بفعل سرى لكل ما كان يحرمه علنًا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة