فى1337 بنى الأمير يشبك أحد أمراء المماليك، قصرا يقع فى شارع المعز لدين الله الفاطمى، وأطلق عليه اسم حوش بردق، ولكن لا شىء يبقى على حاله، فقد تحول ذات المكان فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى إلى شارع سيئ السمعة، حين كانت الدعارة فى مصر مقننة، ولها مناطق محددة ومن يتعامل فيها من نساء يحصلن على ترخيص بمزاولة المهنة، وطبعاً كما هو معروف، ففى مثل هذه الأماكن تحدث مشاجرات ما أنزل الله بها من سلطان، خاصة بين المومسات صاحبات المهنة، ولأن البوليس كان يعرف طبيعة المنطقة وطبيعة العاملين فيها، فكان يعرف أن لغة الخطاب بين أهل المنطقة هو الصوت العالى والألفاظ النابية والإشارات الحقيرة التى قد تصل إلى التشابك بالأيدى، لذا لم يكن يتدخل فى فض تلك المعارك البسيطة اليومية بل ما بين اللحظة والأخرى، ولكنه فقط كان يتدخل فى اللحظات التى تتحول فيها تلك المعارك إلى درجة أخطر قد تصل لاستخدام السلاح والقتل، ومن هنا أتى تعبير حوش بردق إشارة لأى نوع من الردح أو الشرشحة، دون أن يعرف كثير ممن يرددون الكلمة أصل التسمية.
ودعنا من التاريخ المملوكى أو تاريخ الدعارة فى مصر ولننتقل إلى حاضرها، فمنذ ثورة 25 يناير وكثير من الجمهور والمسؤولين والساسة على اختلافهم يوجه أصابع الاتهام للإعلام، وكأنه سبب كل بلاء ومصيبة المصائب، وللحق لم أكن أوافقهم الرأى بشكل قاطع، لأن مشاكل مصر كثيرة ولا يمكن كما كنت أظن أن أختزلها فى الإعلام، فالإعلام بكل أشكاله أحيانا بل غالبًا ما يكون مجرد صدى أو مرآة لمشاكل وأخلاقيات وثقافة الشعوب تمامًا كالفن فهو ابن بيئته وعصره.. ولكن، وآه من لكن، الإعلام فى مصر فى هذه اللحظة التاريخية الراهنة لم يعد مرآة ولا حتى صفيحة، ولكنه صار كارثة بكل المعانى كارثة تُضاف لكثير من كوارث الوطن ولا أستثنى من الإعلاميين أحداً.
ودعونى أرصد لحضراتكم بعضاً من مظاهر الكارثة الإعلامية التى نعيشها فحولت حياتنا فى هذا الوطن إلى جحيم يضاف إلى جحيم الحياة اليومية:
1 - على مدى العامين ونصف الماضيين منذ الثورة صَدّر لنا الإعلام عدة وجوه وجعل منها نجوما إما نجوم سياسة أو نجوم سياسة وإعلام وتاهت الفواصل بين المذيع والمحاور والضيف ولم يعد الإعلامى ولا جيش الأسماء المكتوبة على تترات البرامج يفعل شيئا، إلا أن يأتى بهذا الوجه أو ذاك ويأتى بمن هو ضده ويتناحر الضيفان كمعارك الديوك، فصارت كل برامجنا استنساخا من صراع الديوك الذى لا ينتهى إلى شىء ويخرج المشاهد من المعركة يتملكه الصداع.
2 - صار كل ضيف محللا سياسيا واستراتيجيا وأغلبهم إما ضابط معاش أو صاحب شركة أمن. تمد العمارات والشركات برجال أمن مجرد هيئة، وصارت كلمة ناشط سياسى وظيفة للعشرات بل المئات وبذلك ألغى الإعلام المصرى قواعد الإعلام الأساسية، وهى التعرف على حقيقة المتحدث، فالقاعدة الإعلامية تقول: من يقول ماذا ولمن ومتى وبأى وسيلة، وللحق ما عرفنَا الإعلام على ضيوفه من المتحدثين بشكل حقيقى بل كان تعارفا فى أغلبه زائفا.
3 - الاتقان فى العمل، أى عمل، هو أزمة مصر منذ عقود، وفى الإعلام المصرى لنا أسوة سيئة، فلا أحد ممن يجلسون أمام الكاميرات أو الأقلام يفكر أن يجتهد ليقدم الجديد فكرا أو شخصاً، ومجرد مثال فقد صار ثروت الخرباوى، على قيمته، وجها مقررا ومكررا.
4 - لغة الخطاب كان من الطبيعى أن تتطور مع مرحلة معركة الديوك إلى مرحلة حوش بردق ويتصدرها المذيعون أحيانا قبل الضيوف ويتبادلون الأدوار وبغض النظر عن مذيع يقول ما أوافقه أو أختلف معه، وتصدر المشهد باسم يوسف باسم السخرية، ولكن أغلبها كان سخرية حوش بردق، ثم يطلع علينا أحدهم ليقول عفوا كلمة ولاد لامؤاخذة تيييت، قاموس من ردح حوش بردق يختمه محام تتبارى بعض القنوات لاستضافته كنمرة فى كباريه ويجلس أمامه المذيعون فى حالة صمت مطبق كما حدث مع مذيعة جلس الرجل يقطع فى شرف البعض يمينا ويساراً وهى تردد جملة حق الرد مكفول، وكأنها تقوم بدور الشرطى على أبواب حوش بردق لا يتدخل لأنه يعرف أنها خناقة مجموعة مومسات.. شىء مقزز حتى لو كان من يخاض فى عرضه أعدى أعدائك، المحامى ربما يكون الأكثر فجاجة ولكن من المذيعين من هم أسوأ حتى لو قالوا لك الآن ما يناسب هواك، لا تستمع لهم لأنهم غداً سيتبعون ذات الأسلوب مع ما لا يناسب هواك.
5 - لم يعد يدرك أغلب الإعلاميين وكثير من الصحفيين أن مساحة الهواء أو مساحة فى صحيفة هى ملك للمشاهد والقارئ، وأنها ليست ملكاً خاصا بسيادته، ومع ظروف حظر التجوال وحتى قبلها بكثير صارت ساعات الهواء وكأنها ساعات لعروض المونودراما يصول ويجول فيها المذيع سبًا وقذفًا أو ولولة وبكاءً أو ضحكًا وسخرية بلا معلومة موثقة أو جديد يضيفه للمشاهد على اختلاف مستوياته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة