مصر تريد رئيسًا يحكمها وليس ديكتاتورًا يتحكم فيها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تضمن الدستور نصوصًا واضحة لمحاكمة الرئيس وعزله وسحب الثقة منه إذا أخل بواجبات وظيفته، أو اعتدى على الدستور وتدخل بشكل سافر فى عمل سلطات الدولة التشريعية والقضائية أو خلق صداماً بينها، ولن تهدأ البلاد وتستقر الأوضاع إلا إذا تولدت الثقة لدى الناس، بأنهم يمكن أن يعزلوا الرئيس بطريقة سلمية، إذا خرج عن "شرعية الشعب" بأى صورة من الصور، سواء التفريط فى الحفاظ على أرض الوطن واستقلاله ومؤسساته وسلطاته، أو التهاون فى حماية أرواح الناس ودرأ الخطر عنهم، أو ارتكب جريمة من جرائم الفساد المالى والسياسى والتخابر لحساب دول أو جهات خارجية.
لن ينصلح حال رئيس مصر القادم إلا إذا رسخ الدستور الجديد "شرعية الدولة" على حساب "شرعية الرئيس" فمصر هى الباقية ورؤسائها إلى زوال، وسقطت تحت أقدام ثورتى يناير ويونيو نماذج الرئيس الملهم والزعيم والقائد والمعلم وغيرها من الألقاب التى إعتاد المصريون أن يخلعوها على حكامهم، واكتشفوا مبكراً خدعة رئيس الشريعة والشرعية، الذى حاول وجماعته سرقة وطن فى عز الظهر، تحت ستار كثيف من دخان الشعارات الدينية، وأعلن الحرب على مؤسسات الدولة وأركانها وجيشها وأجهزتها الأمنية وقوتها الناعمة والخشنة، وبث الفتن والوقيعة بين أبناء الشعب، وتتناوله الآن اتهامات كثيرة بارتكاب جريمة الخيانة العظمى والتخابر مع حماس.
لو كان فى إمكان الناس أن يغيروا مرسى وقبله مبارك بالوسائل السلمية ما حدثت الثورتين، ولكانت مصر الآن أحسن حالاً وأكثر استقراراً، وما حدث الخراب والدمار والقتل وإراقة الدماء، وتجنبت البلاد الفاتورة الفادحة التى تدفعها كل يوم بسبب حكامها ورغبتهم فى البقاء والاستمرار رغم أنف الشعب وضد إرادته.. وأمام لجنة الخمسين المكلفة بإعداد الدستور فرصة تاريخية لحماية الشعب وقطع الطريق على جريمة الفساد السياسى لرؤساء مصر القادمين، وتحصين مكونات الدولة المصرية ضد العبث والتآمر والتفكيك فلا تقع فى براثن ديكتاتور آخر، سواء كان يرتدى عباءة دينية أو ثورية أو شعبية أو زعامة تاريخية، فقد جربت مصر كل هذه الأنماط من الحكام، فكانوا وبالا عليها ونقمة على شعبها، وآن الأوان أن يكون رئيس مصر بدرجة "مواطن صالح".