استيقظت من نومى مبكرا على غير العادة، ولما كان من عادتى اليومية التى ألزمت نفسى بها منذ أكثر من ثلاثين سنة أن يكون أول ما أفعله هو أن أطمئن على أبنائى الثلاثة، ولما كان «فيسبوك» قد أصبح الوسيلة المفضلة فى التواصل الأسرى بينى وبين أبنائى، لاسيما وأننا بالطبع لا نعيش فى بيت واحد، فلكل منهم حياته الخاصة، وفتحت صفحة ابنتى الكبرى «وسيمة»، وهى حقوقية تعمل فى هيئة البترول وشاركت فى الثورة منذ لحظاتها الأولى وحتى اليوم، فوجدتها قد كتبت على صفحتها هذه العبارة: «شفت فى الحلم جرافيتى كبير مكتوب باللون الأحمر «لا تستفزوا الثورة فإن لها أذرعا شداد» شكله حلو قوى، وتقريبا كان فى أول شارع محمد محمود، موش فاكرة بالظبط.. لكن قمت من النوم مبسوطة مش عارفة ليه..
صباحكوا حلو». وفتحت نفس هذه العبارة فأخذت أتصفح صفحات أصدقائى الحقيقيين قبل الافتراضيين، فوجدت صديقى الدكتور «عصمت النمر» الذى شارك فى الثورة منذ يوم 25 يناير أيضا قد كتب هذه العبارة: اللى بيقول حكم عسكر.. هذه اللبانة اللى صنعها الإخوان المسلمين ولاكها الأغبياء.. ديجول كان جنرال.. نصف وزراء أمريكا الآن جنرالات.. أيزنهاور كان جنرال.. مفردة حكم العسكر كانت مفردة من صناعة المخابرات الأمريكية أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى عندما كانت معظم الانقلابات العسكرية فى العالم ذات توجه يسارى، ودخل الأمريكان اللعبة وأطاحوا بسلفادور الليندى وجابوا الجنرال بينوشيه ولا الجنرال فرانكو فى إسبانيا، هذه المفردة اختفت تماما مع انهيار الاتحاد السوفيتى واختفت ظاهرة الانقلابات العسكرية واللى هايقوللى إن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى يبقى حمار لا مؤاخذة ويروح يذاكر مقومات الانقلاب العسكرى.. أهو هيثم محمدين خرج حتى دون ضمانة.. يا ترى اللبانة الإخوانية الجديدة اللى هاتمضغوها الأيام القادمة إيه؟ وكان لابد من قراءة ما كتبه المفكر الكبير «خليل كلفت» فى دحض الفكرة الإخوانية عن أن ما حدث كان «انقلاب عسكرى» وعما لاكه بعض «اليسارجية» وروجوا له عن التحالف بين الإخوان والمجلس العسكرى، فكتب «خليل كلفت»: كان ذلك التحالف الاضطرارى مع الإخوان محاولة كبرى لاحتواء الإخوان والسلفيين ولم يكن هناك ما يمنع، لو لم يخرج الإخوان عن الخط، أن يتحول ذلك التحالف الاضطرارى المؤقت إلى تحالف استراتيجى بين الدولة والإخوان، من خلال عملية دمج طويلة الأجل بين الأيديولوجيتين القومية البرجماتية والإسلامية الإخوانية، غير أن ما حدث هو أن الإخوان خرجوا على أسس وخطوط وتفاهمات التحالف من خلال أخونة سريعة متسارعة أفزعت الطبقة الحاكمة والمجلس العسكرى من ناحية، وقوى الثورة الشعبية من ناحية أخرى، وبالتحالف مع الإخوان والسلفيين، لم يكن الحكم حكما عسكريا مباشرا خالصا، ومع أن الدور الفعلى للإخوان فى إدارة الدولة فى تلك المرحلة لم يكن فعالا تقريبا فإن سيطرتهم على السلطة التشريعية بمجلسيها كانت، رغم الإبطال القضائى لقانون انتخابهما وحل مجلس الشعب وهو أهم المجلسين دستوريا، موطأ قدم فى منتهى الأهمية لتطوير الهجوم الإخوانى فى مجال الإعداد للدستور وفى مجال السيطرة على رئاسة الجمهورية، وبدأ التنافس واحتدم الصراع بين الحليفين، قبل وبعد تنصيب محمد مرسى رئيسا للجمهورية، وبعد فتح الباب واسعا أمام السيطرة البرلمانية للإخوان، بما ترتَّب عليها من تأثير سياسى وأيديولوجى متنامٍ فى الدولة والمجتمع، رغم حلّ مجلس الشعب، وتعثر تشكيل تأسيسية الدستور، نجحت قوى الثورة نجاحا مؤسفا حقا فى فرض انتخابات رئاسية «مبكرة» على المجلس العسكرى وإسقاط حكمه لحساب سيطرة مكتب الإرشاد على رئاسة الجمهورية، وبهذا اكتملت للإخوان كل الحلقات المترابطة لسلطة الدولة، غير أن «الخرق اتسع على الراقع»، ذلك أن الحكم الإخوانى بحكم صراعه الأصلى مع قوى الثورة التى «عصرت الليمون»، وبحكم صراعه الأصلى مع الجيش، وبحكم الأخونة الحثيثة التى وسعت نطاق الصراع الإخوانى مع الدولة والمجتمع، اصطدم مع الجميع واصطدم معه الجميع.