منذ الموجة الثورية الثانية فى 30 يونيو وهناك خريطة طريق أعلنها السيسى لبناء نظام سياسى لا يقوده الإخوان، ويميز بين الدعوى والسياسى، لكن المفارقة أنها خريطة تفتقر إلى الرؤية والسياسات والإجراءات الكفيلة بنجاحها، على الرغم من أننا فى مرحلة انتقالية جديدة غير مسموح فيها بالفشل، والمقصود بالرؤية هنا تحديد الموقف من العدالة الاجتماعية، ودور الإخوان فى النظام السياسى، وتحديد المقصود بالمصالحة الوطنية، وأولويات السياسة الخارجية، وكيفية حل أزمة مياه النيل، وضوابط تمديد حالة الطوارئ وعلاقتها بالحريات والممارسة الديمقراطية، وأخيرا الموقف من نظام مبارك، الذى مازال باقيا بعد أكثر منذ ثورة يناير، حيث حافظ عليه الإخوان ووظفوه لصالحهم.
قناعتى أن الرئيس المؤقت وحكومة الببلاوى الضعيفة والبطيئة غير قادرين على طرح هذه الرؤية والمضى فى الإجراءات الكفيلة بتطبيقها فى أرض الواقع، فلم نسمع كلاما محددا وخطوات واضحة لتحقيق المصالحة الوطنية مع قيادات وعناصر الإخوان الذين لم يتورطوا فى عنف أو إرهاب، ولم يوضح لنا وزير العدالة الانتقالية ما الذى سيقوم به، والكارثة أن ملف العدالة الاجتماعية لم يتحرك للأمام، وسياستنا الخارجية لم تتغير كثيرا، طبعا سيقال إن عمر الوزارة قصير، وإن تحديات الإرهاب ومظاهرات الإخوان شغلتها عن بقية الملفات، كما أن الإخوان تركوا ملفات كثيرة شائكة.
تبريرات فيها بعض المنطق لكنها غير كافية، وغير مريحة، فوزارة الببلاوى أمضت شهرين - أى والله شهرين - ولم نشعر بأنها حكومة ثورية أو حتى إصلاحية، أما الانشغال بملاحقة الإرهاب والإخوان فإنه صحيح لكنه يشير إلى كارثة استمرار سياسات مبارك فى تغليب الحلول الأمنية على السياسية والاجتماعية، وهو منهج لم ينفع مبارك أو غيره، لأن أزمة مصر سياسية والصراع مع الإخوان سياسى واجتماعى بالأساس وله أبعاد أمنية، وبالتالى يجب أن يكون للسياسى والاجتماعى الأولوية، وهما يرتبطان بحل مشكلات الفقر والتهميش والأمية، والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية مع فلول نظام مبارك ومع الإخوان.
المهمة العاجلة من وجهة نظرى مواجهة العنف والإرهاب بكل حسم، ولكن بأساليب جديدة تجمع بين القبضة الأمنية وتطبيق القانون بكل حسم مع احترام حقوق الإنسان، وفى الوقت نفسه تفكيك دولة مبارك عبر تغيير السياسات الاقتصادية ومواجهة الفقر والتهميش من خلال إجراءات سريعة للعدالة الاجتماعية حتى يمكننا تجفيف منابع الفكر الإخوانى وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الجديد، لأن الفقراء الذين خرجوا فى 30 يونيو لهم مطالب وحقوق، ولا يمكنهم أن يعيشوا ويحسنوا أحوالهم على خطاب الإعلام المعادى للإخوان أو بالأغنيات الوطنية التى تشيد بالجيش والشعب، الفقراء وهم الأكثرية فى الوطن يتطلعون إلى فرص عمل وحد أدنى للأجور وسيطرة على الانفلات غير المبرر للأسعار.. على حكومة الببلاوى أن تتحرك بسرعة، وتتخلى عن سياسات مبارك والتى حافظ عليها الإخوان، وعليها أن تطرح رؤية واضحة وتتخذ إجراءات كفيلة بتفكيك دولة مبارك، والتصدى لعودة الفلول الذين يريدون شطب ثورة يناير، ولابد لوزارة الببلاوى أن تضع تصورا محددا للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية تقوم على عزل قيادات الحزب الوطنى والإخوان، والسماح لكل أعضاء الإخوان والحزب الوطنى بالعمل السياسى، طالما لم يشاركوا فى إفساد الحياة السياسية وتزوير الانتخابات، أو التورط فى فساد وأعمال عنف وإرهاب أو التحريض عليها، أخيرا على حكومة الببلاوى أن تتحرك وتنجز هذه المهام.. أو لترحل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة