لو سألت نفسك من هم «فلول» الثورتين – يناير ويونيو - فربما تحتار طويلاً قبل أن تكتشف أن الفئة الوحيدة التى ينطبق عليها هذا الوصف هم السلفيون، فهم الذين وقفوا مع مبارك حتى الرمق الأخير، وهم الذين عاونوا الإخوان فى حكمهم وصعودهم إلى الرئاسة، ولم يثوروا عليهم ولو بمظاهرة أو وقفة أو هتاف، ومع هذا يقوم حزب النور الآن بدور مريب فى لجنة الـ50 التى سوف تضع دستور مصر الجديد، جاعلاً من المادة 219 «مسمار جحا»، منصبًا نفسه متحدثًا رسميًا باسم الشريعة، وحامى حمى الإسلام. والغريب فى الأمر أن الحزب يتبع أسلوبًا غريبًا على الحياة السياسية، على طريقة «تجيلى كده أجيلك كده»، مرة يقول إنه ضد حذف المادة 219، ومرة يقول إنه موافق عليها بشرط تعديل المادة الثانية لتنص على أن «الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، بدلا من «مبادئ الشريعة الإسلامية»، ومرة يقول إن الذين يريدون حذف هذه المادة وأخواتها إنما يريدون طمس الهوية المصرية، برغم أن هذا الحزب تحديدًا وتوجهه الفكرى الدخيل هو أكبر خطر على «الهوية المصرية».
يدعى الحزب بمزايداته على الشريعة الإسلامية أنه المدافع الأول عن الدين، متجاهلاً أن هناك ثورة عارمة قادت ضد الدولة الدينية الفاشلة التى تجسدت فى حكم «الإخوان»، ولا عجب فى هذا الموقف المستهجن من الحزب، إنما العجب كله فيمن أعطاه دورًا لا يستحقه، ومع ذلك لابد لنا ألا نترك هذه الدعاوى المزايدة هكذا دون إيضاح لفسادها، وعدم جدواها، فقد كانت مصر راية من أعلى رايات الإسلام قبل حزب النور، وستظل هكذا بعد حزب النور، والسبب الرئيسى فى أن تنص المادة الثانية من الدستور على أن «مبادئ الشريعة» هى المصدر الرئيسى للتشريع، هو تنزيه الشريعة عن الخطأ والسهو والظلم، فلو وضعنا كلمة «الشريعة» بدلا من «مبادئ الشريعة» لكان هذا وبالاً على الشريعة والإسلام فى آن، لأن مواد الدستور فى الأساس هى الحاكمة لوضع القوانين، وحينما نقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فإن هذا يعنى أن فهمنا للشريعة هو المتحكم فى وضع القوانين، وليس الشريعة نفسها، ومن الممكن أن يكون هذا «الفهم» مقصورًا أو مغلوطًا، فيأتى أحد القوانين به قصور أو ضعف، أو يسمح بتمرير ظلم أو شيوع فساد، وبهذا يصبح الفساد والقصور والضعف فى فهمنا أو إدراكنا، أما إذا ما نصت المادة على أن «الشريعة» هى المصدر الرئيسى للتشريع، فإننا بذلك نسمح بأن تتلوث الشريعة بأخطائنا وسهونا، ولو حدث أن تم وضع قانون ظالم فإن «الشريعة» هى التى ستُظلم وتصبح فى قفص الاتهام.
يتباكى السلفيون ومن على شاكلتهم على فكرة «الحكم الإسلامى»، وما الحكم الإسلامى من وجهة نظرهم إلا فى عودة المحاكم الشرعية التى ألغاها جمال عبدالناصر بعد تورط عدد من القضاة الشرعيين فى فضائح أخلاقية مجلجلة، فأراد أن ينزه الدين عن أخطاء المدعين، لكن السلفيين–وبرغم تورطهم فى أعمال مشابهة- يزعمون أن القضاء الشرعى هو الحل والسبيل أمام تقدم العالم الإسلامى، ولا أعرف من أين أتوا بهذه النظرية، وكيف خلصوا إلى تلك النتيجة، برغم أن المحاكم الشرعية لم يتم إلغاؤها إلا بعد أن تم احتلال مصر فى ظلها، وتم إسقاط الخلافة فى ظلها، وتم احتلال القدس فى ظلها، ووقع العالم العربى تحت سيف المستبدين من كل صنف فى ظلها، وهو الأمر الذى يدل على أنهم لا يبتغون إصلاح الوطن، إنما يريدون التسلط على رقاب أبنائه فحسب.