يمكنك أن تعثر على الكثير من السياسيين، والحزبيين، والمتحدثين، ومن الصعب أن تجد علماء وخبراء، ومبدعين. وإذا كانت السياسة هى التى توفر الإرادة للتغيير والتقدم، فإن العلم، والبحث العلمى يقدمان الماء والهواء لأى تقدم.
بلا تهويل أو تهوين، نحتاج إلى الأمل. وأن نتعرف على ما نملكه بالفعل، وأن يصبح تاريخنا درسًا نتعلمه وليس مجرد مصدر للتفاخر، وحتى لو كنا أمة متوسطة لدينا مشكلات اقتصادية وسياسية، لكن الأهم هى أن نصل لموجة العزف التى نريدها، ويمكن لشعب متوسط مع كثير من الأمل أن يسجل أفضل من شعب ذى تاريخ عظيم لكن أغلبه من المحبطين. المهم أن يعرف الشعب قيمة نفسه وعيوبه، ويبدأ فى وضعها على طريق صاعد، بدلًا من زرع الإحباط، وإهانة الذات، واللطم، وأيضًا بعيدًا عن التفاخر المبالغ فيه، والتباهى بالتاريخ، وإهمال الحاضر والمستقبل.
وما الذى يمكن أن يخدمنا أكثر من البحث عن الكفاءات والخبرات، ومنحها الصلاحيات لتبدأ عملها، وقد تحدثنا عن دروس مجدى يعقوب وتجربته الحية، وكيف وهو العالم والجراح العظيم لم يتوقف ليصب غضبه على تخلف بلاده، وشرع فورًا فى تأسيس مركز لجراحات قلوب الأطفال، وصنع حوله جامعة على طريقة كبار الأطباء والحكماء فى جمع تلاميذ ليعلمهم وينقل لهم أفكاره، ليؤسس مدرسة فى الطب والإنسانية. وقدم للحائرين والمكتئبين،
والمحبطين، دروسًا فى كيف يصنع العلم الأمل. وبينما نكتب دستورنا فإذا بمجدى يعقوب يقدم أول درس للدستور، لمن نقدمه وكيف، ومثلما لدينا تجربة مجدى يعقوب، الذى يقدم دستورًا على قدمين، يختصر مطالب العيش، والحرية، والكرامة، والعدالة. العلامة مجدى يعقوب يقدم درسًا للمستقبل، وطالما كانت هذه النماذج نادرة لكنها ليست مستحيلة، ولدينا نموذج آخر لا يزال يعيش بيننا اسمه العلامة الدكتور محمد غنيم، مؤسس واحدة من أهم تجارب الطب فى العالم الثالث والعالم كله، نقصد مركز الكلى بالمنصورة، الذى بدأ من نهاية السبعينيات وحتى الآن عالج ملايين الحالات. المركز لم يكن مجرد مستشفى لكنه فكرة ومعنى ومدرسة فى الطب، ونقل الخبرات، تضمن استمرارها، وتقدم خدماتها، وتنقل خبراتها إلى جامعة المنصورة وغيرها.
الدكتور محمد غنيم الذى انضم للجنة الدستور، تجاوز فكرة الطب إلى عالم السياسة، وهو ما يجعله قادرًا على تقديم تصوراته عن السياسة والمستقبل، وأن يضع الطب داخل منظومة السياسة كلها، وضمن أهم أسس التقدم للدول.
لو كنت مكان الدولة لوضعت أمثال مجدى يعقوب، ومحمد غنيم، لقيادة البحث العلمى والطب فى مصر مع غيرهم من العلماء والخبراء، الذين تثبت التجارب أنهم موجودون، لكن أحدًا لا يلجأ إليهم.
ومهما كانت لدينا من دساتير ومدونات، بدون إرادة سوف تبقى مجرد حبر على ورق، ما لم تتوفر لها الإرادة، التى يمكنها وضع العلم فى المقدمة، ومنح العلماء حرية للتفكير والتخطيط. الدكتور مجدى يعقوب والدكتور محمد غنيم، كل منهما جامعة للعلم والطب والبحث، وكل ما نحتاجه أن يتقدم هؤلاء الصفوف، ليصنعا دستورًا يتجاوز مجرد مواد مكتوبة، إلى دستور من لحم ودم وإنسانية.