فازت الحكومة فى الجولة الأولى لإثبات اهتمامها بالعدالة الاجتماعية فى صورتها الحقيقية، والتى تمس الناس بشكل مباشر، ولا تخضع للتفاسير الأكاديمية المعقدة التى يفضلها بعض علماء الاقتصاد والمحللين، وليس شيئًا جيدًا أن يشعر المواطن بأن إعفاءه من تكاليف المصروفات الدراسية لأبنائه هو نهاية المطاف وغاية المنى، فعقلاء كثيرون من أولياء الأمور سينجحون فى استغلال هذه المصاريف فى بنود أخرى مهمة، بينما البعض الآخر سيعتبر أن ما وفره هو هبة من الحكومة، ويتعامل بمبدأ «اللى ييجى منهم أحسن منهم» هؤلاء يفقدون الرشد عندما يقررون أن يستفيدوا من الفائض، ستجد واحدًا يستغل التوفير ليشترى لولده هاتفًا محمولًا، «وربما لا تكون حاجته له ملحة» وآخر قد يشترى لنفسه كروت شحن تضيع على توافه الأمور، ربما تجد من لا يعرف أصلًا ماذا وفر، وكيف سيستفيد من هذا القرار.
لا أنكر على الناس أنهم يستحقون هذه الخطوة من الحكومة، ولا أنكر أيضًا أن ملايين منهم يحتاج لكل قرش سيوفره من مصاريف المدارس، كما أننى لا أستطيع أن أجرم حق الإنسان فى أن يسعى لتحقيق أحلامه البسيطة «الهاتف المحمول، وكروت الشحن»، ما أخشاه فقط هو هذا السفه الذى يجعل الدعم نهبًا لكل فاسد، فاليوم ستوفر الحكومة على الناس جنيهات قليلة هى قيمة المصاريف، لكنها على مدار العام تقدم لهم دعمًا للمواد التموينية يمثل مبلغًا محترمًا إذا تم احتسابه إجمالًا، ولكنهم يشعرون أن شيئًا ما لا يكتمل، وراحتهم لا تدوم مع هذا الدعم، وغدًا حينما تقرر الحكومة أن تتحمل عن المواطن تكليفًا ما ربما لا يأتى بالنتيجة المرجوة، لأن بعض المواطنين لا يعرف كيف يدبر أموره بشكل صحيح.
نحتاج فقط كمواطنين أن نعرف كيف نوفر، ومتى وأين ننفق، نريد أن نكون منظمين أكثر، حينما نرتب أولوياتنا دون الانتظار لما ستجود علينا به الحكومة، وليس عيبًا أن ندبر أمورنا بالورقة والقلم، فقد أثبتت العشوائية فشلها فى أن تصنع أى نجاح ولو حتى بالصدفة، وينطبق هذا على كل الأحوال اليومية، فعشوائية القرار تصنع الإهمال، وعشوائية الرقابة تدفع الناس للتحايل وتولد الغلاء، لاحظ أيضًا أن تعاملك أنت مع الدعم وما تقدمه لك الحكومات ينطبق تمامًا مع تعامل فئات أخرى معك، فالتجار لا يرفعون الأسعار إلا بقدر جهلك لما تستفيد به من الدعم، وأصحاب المهن «الصنايعية» يعتبرونك زبونًا سهل المنال «اللى ييجى منك أحسن منك»، فكن منضبطًا أولًا ينضبط ما حولك.