كثيرون منا لا يدركون معنى الدولة، نردد فحسب إن مصر صاحبة حضارة عمرها يمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة، ولا ندرك أن هذه الحضارة تعنى فيما تعنيه كلمة «دولة» فالمؤرخون الذين حددوا عمر الحضارة المصرية لم يستندوا فى ذلك على عمر أكبر آثارها مثل الأهرامات الثلاثة التى لا يتجاوز عمرها الخمسة آلاف سنة، ولم يضعوا فى حسبانهم توحيد القطرين المصريين الشمالى والجنوبى على يد الملك «مينا» لكنهم استندوا فى ذلك على وجود بنية معمارية واضحة وتخطيط مركزى صارم لبعض المدن القديمة التى يعود تاريخها إلى سبعة آلاف سنة، وهذا التقسيم الذى رسم الملامح الأولى للحضارة ظهرت فيه المدن مخططة إلى شوارع وميادين وهو الأمر الذى أكد وجود حكومة مركزية تنظم وتحكم وترسم وتخطط، بما يعنى أن وجود الحضارة مرتبط اشتراطا بوجود الدولة، ووجود الدولة يعنى وجود جهات تنظم وتحكم وترتب وتخطط ولم يعن أبدا ظهور ديانة ما أو تبنى إحدى الطوائف لخطاب ما وهو ما يؤكد أن الجماعات التى تريد أن ترسم الدولة على هواها معتمدة على تصورها الخاص للدين يريدون أن يعودوا بنا إلى عصر ما قبل الدولة.
تلك هى الحقيقة التى لا يريد أنصار الإسلام السياسى الاعتراف بها، مدعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسس فى المدينة المنورة دينا ودولة، غير مدركين أنهم بهذا الادعاء يحبطون من قدر الرسالة النبوية المشرفة ويجعلون من رسول الله حاكما لا نبيا، وهو الأمر الذى يكذبه الرسول نفسه، كما يكذبه التاريخ الإسلامى، فرسول الله لم يؤسس دولة إسلامية وإنما أسس مجتمعاً إسلامياً، ولم تظهر فى عهده مؤسسات أو حكومات أو اختصاصات محددة، وإنما كان يحفز المسلمين لإبراز أجمل ما فيهم وأقيم ما فيهم، أما مهمة تأسيس الدولة فقد بدأت على يد الصحابى الكريم أبوبكر الصديق، وتحققت فى عهد الصحابى الكريم عمر بن الخطاب، وإنى أجزم بأن الفاروق عمر بن الخطاب هو المؤسس الحقيقى للدولة الإسلامية، فهو الذى أنشأ «الدواوين» التى تعتبر صورة أولية لفكرة «الوزارات» ووزع الاختصاصات وخصص العطايا ونظم الحكم ومجالسه، ولو نظرنا إلى ما فعله «بن الخطاب» سنجد أنه بنى دولة عصرية مكتملة - بمفاهيم عصره – راعى فيها أن يستفيد من كل الإمكانيات المتاحة، ولذلك لم يتورع عن الاستعانة بنظام «الدواوين» برغم أنه دخيل على المجتمع الإسلامى ومجلوب من الحضارة الفارسية القديمة، ولم يتورع عن استخدام النقود البيزنطية المصورة، كما أنه أبطل العديد من الأساليب التى كان يتبعها الرسول فى تنظيم الدولة وتقسيم الغنائم، لأنه نظر بعين مؤسس الدولة لا كبير المجتمع.
معنى الدولة بالنسبة لى هو «الإدارة» ولا تتبع الإدارة ديناً معيناً، ولم يبعث الله الرسل لكى يديروا الدول وإنما لينيروا القلوب ويتمموا مكارم الأخلاق، وإن أردت تبسيطا لمعنى الدولة فتذكر دائماً «إشارة المرور» فهى التى تلخص معنى الدولة ووظيفتها دون تمييز أو تحيز، إذ يفترض أن إشارة المرور لا تفرق بين أحد، إذا ما ظهر اللون الأحمر فعلى الجميع أن يقف، وإذا ما ظهر اللون الأخضر فعلى الجميع أن يسير، ولا يوجد إشارة مرور فى العالم تميز بين راكبى السيارات، فتضىء الأحمر لتقف ماركات فيات والرينو وتسير ماركات البى إم دبليو والمرسيدس، أو العكس، فإذا ما فتحت الإشارة يجب أن تسير كل السيارات، وإذا أغلقت الإشارة فيجب أن تقف كل السيارات، دون تفرقة بين سيارة «أوبل» أو سيارة «لادا» ودون تفرقة بين سائق يضع المصحف وآخر يضع الصليب وثالث يضع لافتة مكتوبا عليها «For girls only» وعى كهذا ربما يكون ضرورياً لمن يضع الدستور الآن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة