علمونا ونحن صغار أن «اللخبطة» فى الطعام تؤثر على أداء الجهاز الهضمى، وربما تسبب أمراضا خطيرة تأتى معها النهايات بشكل أسرع، وفى نفس الكتب تأكيدات أخرى عن أن «اللخبطة» فى عالم السياسة تصيب الأوطان بالوهن، وينتج عنها دوما تحركات وحركات وتكتلات سياسية تموت قبل أن تعرف معنى «الحبو»، وتنهار قبل أن يصدر بيان تأسيسها فى كثير من الأحيان أو بعد لحظات من انتهاء حفل تدشينها.
«اللخبطة» فى العموم لا تصنع أوطانا ناهضة، و«الكوكتيلات» مكانها الطبيعى عند «فرغلى»، وباقى محلات العصائر، وليس أرض السياسة والانتخابات، «الكوكتيلات» أصلا لها قواعد وأصول.. العاملون فى «فرغلى» يدركون ذلك جيدا، أما أهل الساحات السياسية فى مصر فلم يدركوا ما أدركه أهل «محلات فرغلى» من أن كل تحالف أو تجمع أو تكتل فى حاجة إلى تجانس ومحددات واضحة للكم والكيف، ولذلك كان طبيعيا جدا أن تنجح كوكتيلات «فرغلى» فى الانتشار الشعبى والاستمرار فى قائمة الأفضل لكل هذه السنوات، بينما فشلت كل محاولات أهل السياسة فى صناعة تكتل سياسى أو تحالف انتخابى يحقق الانتشار الشعبى ويملك عناصر البقاء ومقاومة الزمن والسلطة، كانت التحالفات والتكتلات السياسية تظهر بحماس رجالها ورموزها البادى فى مؤتمرات تدشينها وتنتهى وسط تصريحات باتهامات متبادلة بين أطرافها بالمسؤولية عن انهيارها أو فشلها..
المشهد خلال عامى المرحلة الانتقالية لم يتغير كثيرا عما كان عليه قبل الثورة، ومع ذلك يمكن تحديد القوى السياسية التى سيطرت على ساحة العمل السياسى بعد الثورة فى الآتى:
1 – القوى السياسية القديمة.. وتضم جماعة الإخوان المسلمين (التى عادت إلى سيرتها الأولى أو ما قبل الأولى منبوذة، مشتتة، وبعض الأحزاب السياسية الموجودة مسبقا مثل الوفد والتجمع والناصرى وأخرى، بالإضافة إلى الأحزاب التى تأسست على يد بعض رجال الحزب الوطنى السابقين ودبت فيها الروح من جديد بعد 30 يونيو، والجماعات السلفية التى قررت المشاركة فى الحياة السياسية وتأسيس أحزاب.
2 – القوى السياسية الجديدة وتضم الأحزاب السياسية الجديدة التى تم تكوينها وإعلان تأسيسها بعد الثورة، وبالإضافة إلى تلك الأحزاب التى يعتبر البعض أن بذورها وضعت فى الأصل فى زمن مبارك بسبب اعتمادها على معارضيه.. توجد القوى والحركات والائتلافات الشبابية التى اعتمدت فى تشكيلها على الشباب أصحاب الدعوة الأصلية لثورة 25 يناير، من هذه المائدة تشكل الكثير من التحالفات والتكتلات أبرزها جبهة الإنقاذ والتحالف الإسلامى اللذان يعانيان كلاهما الآن من ضعف وشروخ واضحة تهدد استمرارهما، وبنظرة سريعة يمكن أن تستخلص لنا أبرز عيوب هذه التكتلات وأبرز أسباب سقوطها السريع كما هو تالٍ فى الكلام:
1 – كل التحالفات التى قامت فى مصر بعد الثورة قامت كرد فعل من أجل إرضاء الشارع فى بعض الأحيان ومن أجل الخصومة.
2 – أغلب التحـالفات الجديدة اعتمدت على الشخصيات البارزة على اعتبار أن تلك الشخصيات كارت مرور للشهرة والتمويل والتبرعات وكارت انتخابى يمكن الاستفادة منه فى دعم المرشحين أو ترشيح أنفسهم.
3 – عدد من التحالفات الجديدة تبنى وجودها أو ترسم خططها، سرا أو علانية، على أساس مناهضة الإخوان أو التيار الدينى عموما.. أو على أساس مناهضة العلمانية وأعداء الإسلام، وأى قوة سياسية لا يمكنها أن تقوم على مجرد عدائها لقوة أخرى.
4 – أغلب التحالفات تتم على أساس انتخابى، وهذا سبب كاف للفشل لأن هذه التحالفات تحمل عوامل انهيارها قبل قيامها، لأنها تجمع حالة من الشتات السياسى والحزبى ربما تكون متناقضة مع بعضها البعض فلا يوجد رابط فكرى أو أيديولوجى يجمع بينها.
أنت تسأل الآن عن حل جاهز بعد هذا التوصيف الموجع؟ وأنا لن أمنحك حلولا فردوسية تتحدث عن تشكل قوة سياسية جديدة أو تطور أداء شباب ما بعد الثورتين ليخلق أساسا جديدا لحياة سياسية مختلفة، فلم يحدث هذا، ولا يشجع الأداء الحالى لجموع النخب السياسية على الإشارة إلى إمكانية حدوثه فى المستقبل.. أنا فقط أخبرك بالحل الواقعى.. الحل الذى يقول بأن بداية علاج داء الحياة السياسية المصرية دواؤه فى الاعتراف الصارخ بأن كل هذه القوى القديمة آن أوان إزاحتها، وحانت لحظة الكفر بها.
تحرك يا عزيزى قم بإعلان كفرك بكل هؤلاء الفشلة أولا، ثم ابدأ مثلما بدأ الخليل إبراهيم عليه السلام فى رحلة البحث عن اليقين السياسى الجديد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة