هل تعلم أن النقد أول خطوات الإصلاح؟
بل هل تدرك أنه تقريبا لا إصلاح بدون نقد؟
هل تعلم أن مجموعتك البشرية التى تغضب إذا تم انتقادها هى أساسا قائمة على النقد؟
بل إن أى مجموعة بشرية أو حزب أو طائفة ما تمايزت واتخذت قرار التكوين الفكرى أو العملى إلا لأنها رأت فى غيرها أمرا غير صحيح انتقدته وقررت تغييره فى نموذجها وتجربتها.
آه والله زى ما بأقول لك كده.
فكر قليلا وستجد أن الكلام منطقى وحقيقى.
فعلى مستوى الفرد وذاته لا تغيير ولا إصلاح لخطأ إلا عند إدراك مواطن الخلل، وهذا لا يكون إلا بنقد ذاتى وجهه لنفسه بما يعرف شرعا بـ«محاسبة النفس»، أو بنقد خارجى لم يستخف به ووضعه موضع الجد.
التوبة نفسها وهى عبادة الحياة التى خاطب الله بها الجميع قائلا: «وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون»، تلك التوبة لا تتم إلا بندم.
والندم لا يكون إلا عن خطأ.
والخطأ لا يُعرف إلا بنقد ذاتى أو خارجى.
وشعيرة الأمر بالمعروف التى هى موطن خيرية الأمة لو تأملتها لوجدت أنها بالألفاظ المعاصرة تمثل نوعا من النقد الإيجابى ومحاولة لتغيير الخطأ بأسلوب راقٍ.. «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».
أما على مستوى الأمم والمجموعات البشرية فما خرج المصلحون أو غيَّر المُغيرون والمجددون إلا بناءً على رؤية نقدية لتلك المجموعات البشرية غير المعصومة، وبناء على تلك الرؤية حدد مواطن الخلل وحاول إصلاحها بشتى السبل، ومن ضمنها بيان مواطن الخلل بنقدها طمعا فى تغييرها للأفضل.
صحيح أنه أحيانا يتحول النقد إلى نقض «بالضاد وهو مرادف الهدم»، وصحيح أن الخيط بينهما رفيع والحاجز دقيق إلا أن ذلك ليس معناه إبطال تلك الوسيلة والخطوة المهمة من خطوات الإصلاح والتغيير ولابد أن ندرك جيدا أن هناك فارقا، وأنه ليس كل نقدٍ نقضاً وهدما.
لكن للأسف فى أحيان كثيرة يساء الظن بالناقد وتتهم نيته ويرمى بأنه حاقد حاسد أو راغب فى الهدم، وهذا خطأ كبير.
فمن المفروض أن يقبل المخلصون النصيحة وأن يحسنوا الظن ويأخذوا الأمر بجدية إن كانوا يبغون الأفضل لأنفسهم أو لمجموعتهم البشرية فإن كان النقد بناءً وكان فيهم ذلك الخلل استطاعوا أن يغيروه ويعدلوه، وإن لم يكن فيهم ذاك الخلل ففى النهاية هم لم يخسروا شيئا بقبوله واعتباره، وقد قال الأولون صديقى من أهدى لى عيوبى، وأحسن منه قول الحبيب: «المؤمن مرآة أخيه»، والمرآة لا تطمس العيوب ولكن تجليها بكل أمانة.
أحيانا أيضا وللأسف الشديد يبالغ البعض فى النقد حتى يصير جلدا للذات أو للغير، ويخرج عن إطاره الإصلاحى إلى إطار عقابى سادى، ويتحول إلى نوع من الانتقام ليس من حقه على نفسه أو على غيره.
النقد إصلاح وتغيير للأفضل إذا صحت النوايا وكان بناءً، وهو يختلف بشكل كبير عن فكرة العقوبة والانتقام، وهو إما يكون فرعا عن النصيحة التى هى الدين أو يتحول لنوع من الفضيحة والبغى والإهانة
فإن ابتغى المرء نصحا وتوجيها فلا ينبغى أن يكون عونا للشيطان على المنصوح فتأخذه العزة بالإثم ويرفض النقد والنصيحة، ومن فقه النصح ترك طريق للعودة وليس اللمز والإهانة والتقريع والتعيير المستمر سبيلا للتغيير لذا ينبغى أن يحدد الناقد هدفه هل يبغى تغييرا للأفضل أم يهدف إلى معاقبة المنصوحين وتنفيرهم بشكل لا يؤدى إلا إلى تماديهم أكثر فأكثر؟
من ذلك يتبين أن إجادة النقد وآدابه تعد من أهم عوامل قبوله والانتفاع به، وهو فى النهاية ليس مهنة من لا مهنة له كما يزعم البعض، بل هو رسالة تغييرية وشعور إيجابى، وإذا صحت النوايا وأراد الإنسان الإصلاح ما استطاع فإنه يشكر على ذلك.. يعنى ببساطة أنت لست معصوماً ولا مجموعتك البشرية، بل جميعنا قابلون للنقد الذى هو ليس شيئاً سيئاً لهذه الدرجة!
لماذا إذاً نكره النقد؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة