بعيدًا عن الاستقطاب فى قضية مظاهرات الإخوان وفشلها ونجاحها، هناك شواهد على أن القدرة على الحشد تراجعت، بالرغم من مبالغات الجماعة التى حرصت على تضخيم المشهد، رغبة فى امتصاص حالة التراجع فى الحماس. مع الأخذ فى الاعتبار أن المشكلة ليست فى العدد ولا القدرة على الحشد، لكن فى انخفاض واضح للتأييد الشعبى، واقتصاره على جيوب الجماعة ومؤيديها.
هم يرفضون الاعتراف بأن المشكلة مع الشعب وليس مع السلطة، وأن السلطة كانت أيام مبارك ضد المتظاهرين، لكن الشعب كان معهم ومنه من نزل بالفعل أو من كان يؤيد من الكنبة. ونفس الأمر مع مرسى حيث أعلن الشعب رفضه للجماعة وسياساتها وفشلها، وهو الأمر الذى يرفضون الاعتراف به، أو ينكروه، لكن من الصعب على من يفكر بين مؤيدى الجماعة أن ينكره.
وبعيدا عن الحشد، وخلال الأيام الماضية كانت هناك حوارات بين شباب الجماعة ومؤيدى الإسلاميين، عن أخطاء الجماعة وكيف أن الشباب يضحون بأنفسهم لحماية قيادات أو مصالح للجماعة. وخلال إحدى المناقشات كان أحمد يقول: لقد فعلنا كل ما فى وسعنا، خرجنا فى مظاهرات وتصدينا ولا يبدو أن هناك نتائج، كما أننا فى كل مرة نخرج نصطدم بمواطنين لا يفهمون ويرفضون خروجنا ويصدمون معنا، وليس كلهم بلطجية. وقال آخر «إحنا عملنا اللى علينا ولا نتائج ونفضل الانسحاب والتوقف عن المظاهرات». ورد عليه شاب من الجماعة، قال له: إننا يجب أن نصبر ونثابر، ثم ضرب له مثلا بالمسلمين الأوائل فى مواجهة الكفار وكيف كانت أعدادهم اقل كثيرا لكنهم غلبوا، فى موقعة بدر وغيرها. واضح أن الشاب كان يريد أن يواجه يأس أنصار الجماعة، لكنه فى زحام حالة التحميس كان ينطلق من فكرة انه وغيره ينتمون إلى معسكر المسلمين، بينما الباقون جميعا فى معسكر الكفر، أو على اقل تقدير يمكن اعتبارهم أعداء. وهو أخطر ما يجرى فى الجدل السياسى، وإذا كان بعض القيادات يرددون ذلك فهم يفعلون لأنهم يريدون تصوير الصراع على انه دينى وليس سياسيا، لجذب أنصارهم من البسطاء، وتخويفهم من خطر وهمى على العقيدة، لكن أن ينتقل هذا الاعتقاد إلى الشباب الذى ربما كانت لديه حماسة ثورية، فهو ما يعنى أن القضية تجاوزت السياسة إلى حرب أفكار.
والشاب الذى يتحدث عن مواجهة الكفار الأعداء، لايرى أن هؤلاء يمكن أن يكونوا إخوته أو أقاربه أو جيرانه، وهو نفسه ما كان سبب الاقتتال بين الأشقاء فى فلسطين، من حماس وفتح، وما يزال. وأيضا فى السودان وفى أفغانستان، وفى العراق والصومال.
مع الأخذ فى الاعتبار أن ثورة يناير كانت ثورة سياسية من أجل الحرية والعدالة والعيش والكرامة، ولم تكن بين معسكر إيمان ومعسكر كفر. لكننا نرى الصراع السياسى وقد اتخذ شكلا دينيا، ربما لهذا رأينا من يقتل مواطنين فى كرداسة أو يعذبهم فى أسوان وهو يهتف الله أكبر. وهو ما جعل الشاعر محمود درويش يقول «من يدخل الجنة أولاً؟ مَنْ مات برصاص العدو، أم مَنْ مات برصاص الأخ؟.. بعض الفقهاء يقول: رُبَّ عَدُوٍّ لك ولدته أمّك». وهنا المسألة.