إبراهيم عبد المجيد

رسائل إلى لجنة صياغة الدستور «3»

الجمعة، 20 سبتمبر 2013 09:48 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سأتحدث هنا عن الباب الثانى فى مسودة الدستور، وهو باب المقومات الأساسية فى المجتمع، وأول ما ألاحظه هنا أنه تقريبا لا تمر مادة من مواد هذا الباب إلا وفى نهايتها جملة «وفقا للقانون» أو «ما ينظمه القانون»، وعمليا القانون يصدر وفقا لما تحدده المادة الدستورية، وهكذا فبالشكل الذى تمت صياغة هذا الباب عليه يكون القانون هو الذى يحدد المادة الدستورية! «وفقا للقانون» كلمة يجب التخلص منها، لأنه إذا كان معروفا أن تفعيل مواد الدستور يتم وفقا للقانون الذى يوضع بعد إقرار الدستور فإن وجود هذه الجملة يجعل القانون سابقًا على الدستور ومن ثم يحدد حدود المادة بينما الأصل العكس. والمحكمة الدستورية مثلا تفصل فى دستورية القوانين وليس فى قانونية الدستور!! إذن كلمة وفقا للقانون وتكرارها تبدو لى عدم قدرة على الصياغة المحكمة لمواد الدستور أو رغبة خفية فى إفساده فيما بعد، فمثلا المادة الثامنة تنص على أن «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى وتلتزم الدولة بتوفير وسائل تحقيق العدل والتكافل الاجتماعى بين أفراد المجتمع فى حدود القانون». ما معنى «فى حدود القانون» هنا غير أنه يمكن أن يميز بين أفراد المجتمع أو يمنع وصول العدل إلى بعضهم أو يزيد فرصة التكافؤ لفريق دون فريق؟ ماذا لو انتهت المادة عند عبارة «وتلتزم الدولة بتوفير وسائل تحقيق العدل والتكافل الاجتماعى بين أفراد المجتمع». تجد جملة وفقا للقانون تتكرر كثيرا فى هذا الباب، وتجدها هنا فى المادة 13 الخاصة بالعمل الجبرى، والمفروض إلغاء العمل الجبرى أصلا فى أى مجتمع متحضر لا وفقا للقانون ولا غيره، العمل الجبرى فى البلاد الديمقراطية يكون أحد أشكال العقوبات فى الجرائم البسيطة، وبالمناسبة هذا موجود ‬فى مصر لكنه إما أشغال شاقة فى الجرائم الكبيرة أو تنظيف قسم البوليس بعد الإفراج فى الجرائم البسيطة، ولا أعرف لماذا يقوم المفرج عنه بتنظيف قسم البوليس؟ فى الخارج يقومون بتنظيف الشوارع فى محاولة أيضا لإعادة علاقة المعاقب بالحياة والناس، تجد جملة وفقا للقانون فى المادة 14 و15 و16 و17 وهكذا رغم أنه لا معنى لمواد دستورية دون قانون يتبعها، إلا كما قلت إذا كان الغرض إفساد المادة أو الخروج عنها.

من أخطر مواد هذا الباب التى جاءت بها هذه العبارة المادة 23 التى تتحدث عن الحد الأقصى للأجور الذى لا يستثنى منه إلا بقانون، وهكذا أراد صانعو الدستور ليس إبقاء الأمور على ما هى عليه فقط، ولكن وضع رجالهم مكان الآخرين من الدولة العميقة الذين هم ومن دار فى فلكهم من يستحوذون على المرتبات الفائقة القيمة التى تتجاوز الملايين كل عام وأحيانا كل شهر، لا استثناء لأحد فى الحد الأقصى للأجور، وفى هذه المادة بالذات يجب أن يشار إلى ذلك، وأصل المساواة بين الناس هو ذلك، المهم ألا يحصل على الحد الأقصى أحد غير من يستحق، وإذا كان هذا النص بعيدا عن سوء القصد ويراد به الحفاظ على بعض أصحاب العقول الكبيرة من الهروب خارج البلاد، فالعقول الكبيرة ليست قليلة داخل البلاد، ولا ننس أيضا أن إطلاق الحد الأقصى لم يقصد به أبدا عقولا كبيرة لكن محاسيب، يجب أن يكون الحد الأقصى حاسما ولا استثناء فيه، خاصة أن كل دراسات الاقتصاديين أثبتت أن هذا هو الطريق الصحيح لزيادة الحد الأدنى.

ومن أخظر ما فى وثيقة الدستور أيضا الرعاية الصحية التى تحدد لها نسبة كافية، غير محددة من ميزاينة الدولة، فى المادة 17. لكن ما معنى كلمة لغير القادرين؟ من الذى يحدد القدرة؟ وهل تكون القدرة وفقا لدخل المريض السنوى أو الشهرى أم وفقا لنوع المرض؟ فأى شخص من الطبقة الوسطى يمكن أن يكون غير قادر أمام بعض الأمراض، مثل أمراض القلب، فما بالك بالفقراء؟ فضلا على أن كل أصحاب المعاشات يكونون تحت بند غير القادرين، لكن طبعا صياغة المادة هكذا سيستتبعها قانون أو نظام يطلب من المريض إثبات أنه غير قادر، ولن يكتفى بالصفة الموجودة فى بطاقته الشخصية إذا كان عاملا أو أى صفة أخرى مثل كونه عاطلا أو طالبًا، المفروض أن يكون العلاج مجانيا للجميع، ويقابل ذلك نظام ضريبى عادل يتصاعد بالضرائب مع تصاعد الدخل، ومن ثم يكون العلاج حقا للجميع، فالجميع يدفع ضرائبه، بعد ذلك نجد مقولة نسبة كافية تتكرر أيضا فى المخصص للتعليم فى ميزانية الدولة وفى اعتبار التعليم حق للجميع فى المادة 19. وترك النسبة غير محددة هنا أيضا وأكثر من مرة يعطى الفرصة للجور عليها. لقد عانينا كثيرا من جور ميزانيات وزارات سيادية مثل الداخلية والعدل والخارجية على ميزانية الدولة، فضلا على ميزانية الرئاسة ومجلس الوزراء ذاتها، لدينا وزراء أكثر مما لدى أمريكا صاحبة الاثنتين وخمسين ولاية ولدينا سفارات أكثر من أمريكا أيضا بما يعنيه ذلك من تكلفة، أما الداخلية فحدث ولا حرج عن الأسلحة والمعدات التى تشترى لها كل عام وعن أعداد الجنود وغير ذلك مما يكلف ميزانية الدولة أكثر من التعليم وأكثر من الصحة، ومن ثم نحن نريد فى الدستور تحديدا للميزانية المخصصة للتعليم والصحة فليس للدولة من عمل يخص الشعب ويخص الأمة أفضل من ذلك، نريد أن ننتهى من زمن الدولة العميقة التى أفقرت الشعب وأشاعت فيه الجهل والمرض باستيلائها على الجزء الأكبر من ميزانيته باعتبارها الفئة الأفضل على الأرض، ولا أعرف كيف تكون فئة أفضل بأموال غيرها للأ سف، وللأسف لهذه الوزارات السيادية ميزانيات أخرى غير مراقبة بتاتا هى الصناديق الخاصة وهى أيضا من اموال الشعب يصرفها على أوراقه التى يريدها من هذه الجهات.

تمشى مع هذا الجزء من الدستور الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع فتجد، كما قلت لك، أن المواد الدستورية تعطل نفسها وفقا للقانون من ناحية، ومن ناحية أخرى تجد التحايل كى لا تلتزم الدولة بشىء من الرعاية الصحية أو التعليم، تبقى بعد ذلك مادة رقم 33 عن الادخار باعتباره واجبا وطنيا ولا أعرف قيمتها، فنحن هنا نضع دستورا وليس درسا فى التربية الوطنية، مادة يجب حذفها، كذلك المادة 21 الخاصة بمحو الأمية مكانها الأحكام الانتقالية، فالمفترض أن الأمية ستختفى إذا كانت هناك خطة حقيقية لذلك.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة