وائل السمرى

لا نهضة بلا إحياء

الأحد، 22 سبتمبر 2013 07:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل أن تقرأ.. أرجو منك أن تزيح عن خيالك كل ما سمعته فى السنتين الماضيتين عن معانى النهضة التى كان يتشدق بها أنصار النظام السابق، فقد شوه هؤلاء هذا المصطلح كثيرا، تماما كما شوهوا الدين والسياسة والاقتصاد والوطنية، ولأننا نطمع فى بناء دولة جديدة على أسس علمية وحضارية راسخة، كان لزاما علينا أن نتساءل ونعرف ونستكشف ونخطط لدولة حديثة أصيلة ذات هوية حقيقية.
وفى البداية فإننى أؤكد أنه لا توجد وصفات جاهزة للنهضة، لكننا نستطيع - على الأقل - أن نستكشف بعض الملامح العامة لتجارب النهضة فى العالم لنعرف بعض الخطوط العريضة لأى عملية نهضوية، تمت فى المستقبل ولا غنى عنها ولا بديل، إذا ما قررنا أن ننهض بأمتنا لنباهى بها الأمم، ولعل أول ما سنكشفه فى هذا الشأن، هو أن جميع التجارب النهضوية الكبرى فى تاريخ البشرية، لم تعن بشىء بقدر عنايتها بإحياء إرثها الثقافى والحضارى القديم، ولرسوخ هذا المبدأ فى الضمير الإنسانى، أطلق على عصر النهضة الأوربية اسم عصر «الرينيسانس» وكلمة «Renaissance» لا يوجد مقابل لها فى اللغة العربية، أدق من كلمة «إحياء»، وقد تعمد مؤرخو الفن الأوربيون أن يطلقوا هذا الاسم على الفترة الواقعة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر التى شهدت إحياء كبيرا للتقاليد الفنية الرومانية، وهو الأمر الذى ظهر جليا فى أعمال فنانى النهضة العظام الذين استلهموا الروح الرومانية فى تخطيط الساحات، وعمل التماثيل واللوحات، فاتحين الباب بعد هذا العمل المضنى لأوروبا، لكى تتقدم وتنهض دون أن تفقد ملامحها وهويتها.
الأمر نفسه حدث فى العديد من الحضارات الأخرى، فالحضارة الهيلينية مثلا لم تكن لتؤثر فى التاريخ الإنسانى العالمى، دون أن تستوعب ما قبلها من حضارات، ليحدث بعد هذا تزاوج فنى مدهش بين الحضارة المصرية والحضارة اليونانية، ليشهد العالم بعد ذلك ميلاد الحضارة الهيلينية التى اعتمدت على إحياء التقاليد المصرية واليونانية تحت رعاية الإسكندر المقدونى وما بعده من حكام، والأمر ذاته حدث فى النهضة الإسلامية الكبرى على نبى الله محمد عليه الصلاة والسلام، فقد اعتمد نبى الرحمة على الميراث الثقافى والأخلاقى العربى فى بداية الأمر، حتى إنه قيل إن رسول الله لم يجد شيئا صالحا فى الجاهلية إلا ودعمه وحث عليه، كما أنه اعتمد على اللغة العربية التى كانت أكبر ثروات العرب الحضارية وقتها، وجعلها لغة عابرة للهويات والأعراق، ثم شهدت المنطقة العربية فى مرحلة ما بعد الخلافة الراشدة تزاوجا فنيا مدهشا بين الحضارة البيزنطية والحضارة الفارسية الساسانية، ليستلهم منهما الفنان المسلم بواكير أعماله الفنية، ثم يتمرد عليهما ليصنع فنه الخاص وبصمته الحضارية المميزة. والأمر ذاته أيضا تكرر فى النهضة الشعرية العربية فى بدايات القرن الماضى الذى شهد حركة «الإحياء والبعث» التى كانت نقطة انطلاق كبيرة فى مسيرة الشعر العربى، حتى وصل هذا الفن إلى أوج تطوره الأصيل فى السبعينيات من القرن نفسه.
التجارب السابقة - وغيرها الكثير - تدلنا على أنه لا نهضة دون إحياء ولا تقدم إلى الأمام دون استلهام روح الماضى ومميزاته ومفرداته، وفرق كبير بين أن نستلهم الماضى فتكون لنهضتنا أصالة، وتجدد وهوية، وأن نعيد إنتاج الماضى فنغرق فى التخلف والرجعية، ولعل هذا التخوف من أن نذهب إلى الماضى فنغرق فى الرجعية، هو الذى جعل واحدا مثل طه حسين، يحاول الهرب من هذا الالتباس، فألقى بالعالم العربى فى أحضان الحضارة الغربية، دون أن يشعر، ما كان له أسوأ الآثار على نهضتنا المرجوة فيما بعد.
نكمل غدا








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة