ناجح إبراهيم

فقه المراجعة الذى هجرناه

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013 06:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«فقه المراجعة» نوع من أنواع الفقه الإسلامى الذى هجره المسلمون والعرب.. وهو بهذا يلحق بأنواع الفقه المهجورة فى حياتنا، مثل فقه المآلات، أى النتائج، وفقه المصالح والمفاسد، وفقه الأولويات، وغيرها من أنواع الفقه التى اهتم بها فقهاء السلف الصالح، وورثوها جيلاً بعد جيل عن الصحابة رضوان الله عليهم.. ويسمى «فقه المراجعة» لدى المنظومة الغربية آلية النقد الذاتى.. وقد كان الإسلام سابقًا للغرب فى هذه المنظومة، حتى أن القرآن العظيم ربط فقه المراجعة والنقد الذاتى بالإيمان الحق بيوم القيامة.. وأسمى النفس التى تقوم بالمراجعة باستمرار «النفس اللوامة».. قال تعالى «لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ»، وهى التى تلوم صاحبها باستمرار، وتراجع عملها.
وقد راجع القرآن العظيم النبى صلى الله عليه وسلم فى اجتهاداته 16 مرة.. وكان النبى لا يستحى من مراجعة الوحى له، ويصحح فى كل مرة اجتهاده.. وكان عمر بن الخطاب يراجع بعض اجتهادات النبى صلى الله عليه وسلم، وكان الوحى أحيانًا يوافق اجتهاد عمر بن الخطاب.
وهذا نبى الله سليمان يراجع أباه سيدنا داود عليهما السلام فى الحكم الذى حكمه.. قال تعالى حاكيًا عن ذلك «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا».
وقد روى أن امرأتين جاءتا إلى نبى الله داود ومعهما طفل، وكل منهما تزعم أنها أمه، فتعجل سيدنا داود الحكم حينما حكم به للكبرى، ولكن سيدنا سليمان استدرك على أبيه برفق وأدب.. فحكم بينهما بطريق آخر، حيث أتى بسكين وقال لهما: سأشقه بينكما، فهتفت الصغرى هائجة: «يرحمك الله، دعه لها»، فعلم أنها أمه الحقيقية فأعطاه لها.
وكان خطأ سيدنا داود فى الحكم هو خطأ اجتهاد، لا خطأ هوى وعناد.. ومن أخطأ فى اجتهاده فله أجر واحد، ومن أصاب فله أجران.. والأنبياء يجتهدون كغيرهم من الفقهاء والعلماء، وقد يخطئون فى اجتهادهم خطأ اجتهاد، ولكن الوحى لا يدعهم ويصوّب اجتهادهم.
وهذا الفاروق العظيم عمر بن الخطاب يبعث برسالته الرائعة إلى قاضيه أبى موسى الأشعرى، قائلاً له: «ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شىء، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل».
إنه يعلّم الأجيال كلها «فقه المراجعة»، وأن مراجعة الحق خير من التمادى والاستمرار فى الباطل.. فالإنسان بطبعه خطاء، وكلما تحرك وعمل زاد خطؤه، ولا سبيل للوقوف عليه وتصويبه إلا بالمراجعة.. «فالحق قديم» لا يبلى ولا يتغير أبدًا.. فالحق أحق أن يتبع.. وهو أبقى وأعظم من كل شىء، ومن كل جماعة أو دولة أو حاكم أو ذى سلطان.. فالحق قديم قدم الزمان، وأقدم من كل عالم، ومن كل حاكم، ومن كل أحد، وأبقى من الجميع.. فاعرف الحق تعرف أهله.
والمراجعة المحمودة تختلف عن التراجع المذموم.. فالمراجعة تعنى أن تصوّب الأخطاء بعد معرفتها، فى الوقت الذى تبقى فيه على الصواب والخير والحق، أما التراجع المذموم فهو ترك الحق.
ما أحوج مصر كلها إلى فقه المراجعة.. ما أحوج الدولة وأجهزتها له.. وما أحوج القوى السياسية والليبرالية والألتراس له.. وما أحوج الحركة الإسلامية له.. ولكن هل من مجيب؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة