فى الحديث عن غلاء الأسعار، فتش عن الدولة الغائبة، فتش عن جشع التجار، فتش عن محدودى الدخل الذين يضربون أخماسا فى أسداس عند شراء المستلزمات الرئيسية من طعام وشراب، فما بالنا بأسعار السلع الأخرى.
فى هذه القضية لا ينتظر الناس حديث الحكومة، وخبراء الاقتصاد عن اقتصاد السوق، والعرض والطلب، هم يتساءلون، لماذا كل هذا الغلاء، ولماذا تتركه الدولة حتى وصل إلى حد لا يتحمله أحد؟.
تتحدث الحكومة الآن عن عملية ضبط الأسعار بفرض تسعيرة جبرية على السلع، ويهدد وزير التموين بعقوبات تصل إلى السجن والغرامة لمن يخالفها، لكن دعونا نواجه حقيقة.. هل ستؤدى هذه الإجراءات إلى وضع علاج جذرى لانفلات الأسعار؟
فى خطة الحكومة لتخفيف أعباء ارتفاع أسعار الغذاء، أنها ستخفض أسعار السلع التى يتم بيعها فى المجمعات الاستهلاكية، ويصل عددها إلى نحو 1400 فرع، وتصل قيمة التخفيض بين 10% و15%، ويساهم هذا الإجراء إلى جانب بطاقات التموين فى علاج «نسبى» للقضية، وللتذكير فإن هذه الخطوة كان يتبعها الدكتور أحمد جويلى وزير التموين فى منتصف التسعينيات، وأحد أهم وزراء التموين فى تاريخ مصر، ليس هذا فحسب بل إنه وقف ضد محاولة بيع المجمعات الاستهلاكية لرجال الأعمال حتى يكون للدولة منفذ تتدخل من خلاله لأجل ضبط الأسعار ومحاربة الغلاء، وحسب متابعتى لهذه القضية معه، أعلم أنه واجه ضغوطاً شديدة وقتها من مافيا المسؤولين ورجال البيزنس، لكنه نجح فى هذه المعركة بتأييد قوى من الدكتور كمال الجنزورى، وكان رئيسا للوزراء، وهاهى الأيام تثبت صحة وجهة نظر الاثنين، لكن يبقى السؤال، هل تكفى المجمعات لضبط الأسعار؟.
بالطبع لا، ويرجع ذلك إلى قلة عددها فى خريطة توزيعها على المحافظات، كما أن هامش التخفيض الذى تتحدث عنه الحكومة ليس كبيراً، وبالتالى فإن المشكلة تبقى فى بيع السلع الغذائية بالأسواق الحرة، والتى تخضع لمزاج بائعها، وفى الغالب يضع عليها هامش ربح مبالغا فيه، وهنا لابد للدولة أن تضع آليات للتحكم فى ربح الوسطاء الذين ينقلون السلع إلى التجار، وتلك مسائل محسومة فى أعتى الدول التى تنتهج اقتصاد السوق، عكس الحاصل عندنا فى مصر، فبين يوم وليلة قد تجد ارتفاعاً فى السلع، ولو اشتم التاجر أن هناك نية لفرض ضرائب جديدة على سلعة ما، يقوم بتخزين ما لديه منها، ثم يطرحها بعد ذلك ليجنى الأرباح من وراء هذه اللعبة التى تفتقر إلى أى معايير أخلاقية.
وبناء على كل ما سبق، فإن الحكومة مطالبة بتدخل حاسم فى هذه القضية، باتباع حزمة من الإجراءات، أبرزها التوسع فى دور المجمعات الاستهلاكية وطرح سلع كافية فيها، بالإضافة إلى ضرورة وضع آليات للتحكم فى ربح الوسطاء الذين ينقلون السلع إلى تجار التجزئة، والتشدد فى تنفيذ القانون لمن يخالف ذلك.
أما الأهم من ذلك كله، فهو وضع خطة طموحة من أجل النهوض بالانتاج الزراعى، ولن يتم ذلك إلا بتدخل حاسم من الدولة لحل مشاكل الفلاحين فى مسألة أسعار مستلزمات الانتاج من أسمدة ومبيدات وتقاوى وخلافه، وتلك قضية يطول شرحها لكنها ضرورية، وعلى خط متواز، لابد أن يكون هناك خطة للنهوض بالصناعة، وليس معنى اقتصاد السوق أن تتخلى الدولة عن دورها، والحكومة التى لا تستطيع ضبط الأسعار هى حكومة فاشلة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة