حنان شومان

يا أهل المغنى دماغنا وجعنا!

الجمعة، 27 سبتمبر 2013 10:32 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حكى لنا من سبقنا أن الغناء فيه تأريخ لحكايات الشعوب وإشارة إلى ذوقها ولغتها ومفرداتها وأخلاقياتها ودلالات أخرى كثيرة، إذاً الغناء ليس مجرد ياليل ياعين ودقة طبلة هنا أو هناك ولكنه حكاية مكان وزمان، وبشر يعيشون فيهما، فهل غناؤنا الآن يشير بشكل أو آخر إلى حالنا، أو بالتحديد هل الأغانى التى أنتجها الفنانون منذ ثورة 25 يناير مروراً بكل ما حدث على مدى عامين ونيف حتى أحداث ثورة 30 يونيو، تعبر وتحكى بصدق فنى وتاريخى عن هذه المرحلة الثرية القلقة المقلقة تاريخياً؟

ودعنى أبدأ إجابتى بالإشارة أولاً إلى جزء من الماضى وغنائه ليس انطلاقاً من النوستالجيا أو الحنين للماضى ورفع شأنه على حساب الحاضر ولكن محاولة للمقارنة بين زمان وزمان، وغناء وغناء، وفنان وفنان فى ظروف تكاد تتشابه وإن لم تتطابق، وفى تلك المقارنة جزء كبير من الإجابة عن السؤال الذى طرحته.

بعد ثورة 1952 واجهت مصر تحديات وحروب كثيرة داخلية وخارجية انتصرت فى بعضها وهُزمت فى البعض الآخر، وفى كلتا الحالتين كانت مصر تغنى مع مطربيها تلك الأغانى التى رسخت فى وجداننا وعاشت ومازلنا نرددها برغم تعاقب الأجيال واختلاف الظروف ورجالات الحكم والمزاج العام، ففى الانتصار غنى حليم بالأحضان والسد العالى والمسؤولية وغنت شادية يا حبيبتى يا مصر ويا مسافر بورسعيد، وغنت وردة «وأنا على الربابة بغنى»، وغنت مجموعة من كبار مطربى الوطن العربى ومصر ملحمة «وطنى حبيبى الوطن الأكبر»، وغنت عليا التونسية حبايب مصر، ومن أم كلثوم التى غنت خالدتها مصر التى فى خاطرى إلى سعاد حسنى التى غنت دولا مين ودولا مين دولا عساكر مصريين، وفى الهزيمة غنى حليم أحلف بسماها وبترابها وغنت شادية يا أم الصابرين، عشرات بل مئات من الأغنيات ترافقنا فى كل حدث وتبحث عنها الأجيال المتعاقبة لتغنيها فيما يناسبها من حدث.
وأتت عقود بعد هذه الفترة الفنية والسياسية، لم يكن هناك من دافع أو هدف للغناء الوطنى فقد تاهت ملامح الوطن ولم يعد من إنتاج للغناء الوطنى إلا فى ذكرى أكتوبر، أغنيات ماسخة تُغنى لمبارك وحاشيته ولا يشعر بها الشعب ولا يحفظها بل يستغل أغلبها فى التنكيت والتبكيت على ذلك العصر.

ثم تأتى ثورة يناير ويبحث أهلها عن أغنية أو مطرب أو كلمات لتعبر عنها فلا يجد إلا الماضى ليعود يجتر منه فتصاحب الشباب أغانى من رحلوا مثل حليم أو الشيخ إمام أو أم كلثوم أو شادية، وكانت الأغنية الوحيدة الحديثة التى تتردد متلازمة لأحداث هذه الأيام هى أغنية منير «إزاى» التى لم تكن منتجة لهذا الحدث ولكنها جاءت صدفة حتى أغنية منير التى غناها بعد ذلك وأنتجتها إم بى سى مالك خايفة ليه لم تترك أثراً كعادة أغنيات منير، وتتوالى أغان تبعث أحياناً على الأسى والسخرية كأغنية حمادة هلال شهداء يناير اللى ماتوا فى أحداث يناير حتى أغنيات رامى جمال الذى قالوا عنه مطرب الثورة لم يبق منها شىء.

ثم تأتى ثورة يونيو الأكثر أثراً والأعمق تغييراً فيتبارى المطربون فى الغناء لها فلا يفرق الغناء ما بين صوت جميل أو محدود ولا بين اسم شهير أو نصف معروف، فالكل ينتج غثاءً لا غناءً، فيغنى حمادة هلال وبهاء سلطان والجاسمى وعمرو دياب وحماقى وخالد سليم وهانى شاكر ولطيفة وريهام عبدالحكيم وأنغام.. كلهم يغنون ولكن بلا طعم ولا لون ولا رائحة، غناء يفتقد الكلمة واللحن والصدق وبالتالى الجمهور، ثم تظهر أغنية تسلم الأيادى التى بدت كالفرخة بكشك فى وسط سفرة قاحلة ومع موسيقى راقصة فعلقت فى عقل المستمع ليس لأنها الأفضل ولكن لأنها وحيدة فى فصل كل من فيه فشل، ولأنها وجدت ساحة خالية فتمطعت وكأنها أغنية فريدة وهى ليست كذلك، حتى حين قرر مصطفى كامل صاحبها لحنا وكلمات وأداء أن يعيد التجربة جاءت أغنيته التى تشبه أغانى النقوط فى الأفراح أو كباريهات آخر الليل تحية لأهل الكويت وأخرى للإمارات وواحدة للسعودية فهجرها الجمهور ولم يناصرها.

الغناء مفروض أنه تعبير صادق عن عصره فكيف ونحن كشعوب نعيش فى مرحلة تاريخية ليس كمثلها تاريخ وتكون أقصى أمانينا وأغانينا هى تسلم الأيادى وبعدها مباشرة وقبلها نجد شعباً يغنى يا أهل المغنى دمغنا وجعنا كفاية!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة