العلمانيون يقولون نريد أن نفصل بين الدين والدولة، بينما فى الواقع لا يمكن الفصل بين الدين والدولة، فهناك الأزهر الشريف وهناك الكنيسة القبطية وكلاهما معا حضر يوم إعلان خارطة الطريق، فماذا يعنى حضور شيخ الأزهر ورأس الكنيسة القبطية، يعنى حضور الدين فى الدولة، ربما يقصد العلمانيون تأميم الدين لصالح الدولة بحيث لا يكون هناك دين إلا ما تريده الدولة. وهم يقولون أن الدين علاقة بين العبد وربه، أما الدولة والفضاء العام فإنه علاقة مستقلة تماما عن الدين، وهذا غير ممكن إذ كيف يمكننا تنظيم الفضاء العام والعلاقات بين السلطات ونحن نكتب فى الدستور أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام وأن الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، إذن الدين ليس علاقة شخصية فى المفهوم الإسلامى بل هو علاقة متجاوزة بمعنى أنه ينتظم الأحوال والعلاقات الشخصية كما ينتظم العلاقات الاجتماعية مثل نظام الأسرة والزواج والتكافل الاجتماعى وعلاقات المواريث وأعمال الصدقات والبر والخير، وينتظم الدين بلا شك العلاقات السياسية فالرئيس مثلا يجب أن يكون من دين أغلبية سكان الدولة وهذا معمول به فى كل العالم، كما أن السياسى المسلم بالضرورة سيمتنع عن شرب الخمر، وقد تؤسس الدولة اقتصادا يقوم على منع الاحتكار والربا، وفى مصر الناصرية روجت الدولة وقتها لاشتراكية الإسلام وكان الدين الإسلامى منبعا مهما لمن تحدث عن هذا الأمر من المفكرين.
يتحدث العلمانيون عن الثورة، والثورة بالضرورة تعبير عن التغيير وفتح المجال العام لفئات جديدة محرومة أو مهمشة لم يكن مسموحا لها بالوجود من قبل، ولعل أهم هذه الفئات القوى المتدينة فى المجتمع المصرى لا أستثنى من ذلك الإخوان المسلمين، رغم فشل تجربتهم فى الحكم، بيد أن فشل تجربتهم لا تجعلنا نوسع فى الحظر والعقاب والحرمان للفئات المتدينة فى مصر، وهم ليسوا جميعا من الإخوان المسلمين، فهناك سلفيون وهناك صوفيون وهناك متدينون بالفطرة يحبون الدين ويرون أن الشريعة الإسلامية هى حل لأدوائهم ومشاكلهم، هل هؤلاء المتدينون سوف يحرمون ممن يعبر عنهم فى المؤسسات السياسية ويتحدث بصوتهم، وهنا ننتقل لمعنى الديمقراطية، فالديمقراطية هى منح الحق للمواطنة وللمشاركة لكل المصريين، حقهم فى التعبير وحقهم فى تشكيل الأحزاب وحقهم فى تشكيل النقابات وحقهم فى إنشاء الصحف، أو أننا نطلق الديمقراطية ونريد تلك التى تريدها النخبة العلمانية التى ترى نفسها وارثة للدولة القومية والمتحدثة باسمها ومن ثم فهى التى تحدد للجماهير معنى الديمقراطية وحدودها. لا أعرف كيف ستكون حالة مصر بينما يمسك بزمام السلطة فيها قوة وتيار سياسى لم يختبر وجوده على الأرض، ويتم استبعاد التيار الذى صوت له الناس فى كل الانتخابات التى جرت بعد الثورة، وهنا الاندفاع بنشوة النصر لمنع قطاعات المتدينين من التعبير السياسى عن نفسها سيقود إلى حالة ردة ومواجهة لن يتحقق للبلد فيها استقرار.
فى ألمانيا فازت القوى المحافظة المتدينة وجاءت بميركل إلى السلطة، الحزب الفائز هو الحزب الديمقراطى المسيحى، فكيف يمكن أن يكون ديمقراطيا ومسيحيا فى نفس الوقت، نفس القصة فى مصر الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية من حقها أن تكون موجودة ومن حقها أن تعبر عن نفسها، ويكفينا هندسة العلمانيين لعالم السياسة فى بلادنا، على النخبة العلمانية أن تسمح لقوى المجتمع كافة أن تعبر عن نفسها نريد وطنا لنا جميعا للمصريين كلهم بلا إقصاء ولا تمييز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة