أنت تتهم سيد قطب بأنه المتطرف الأول، تنكر على الرجل كل اجتهاده الفكرى وتحصره فى صورة البئر الذى يطلب منه الناس ماء الإرهاب، وربما لك فى ذلك بعض من الحق، فكل هذه السطور «القطبية» التى نالت من المجتمع بالتكفير والتجهيل لا يمكن غفرانها سواء لسيد قطب أو من سار على دربه من شباب ورجال الجماعة ونقلوا ما طرحه الرجل بشكل نظرى إلى خانة الفعل والتطبيق العملى طمعا فى سيطرة على تنظيم الإخوان وعقل الجماعة.. وأنت عزيزى الإخوانى ترى فى سيد قطب مفكراً وملهماً وشهيداً دافع عن رأيه ومعتقده الفكرى حتى آخر نفس، ورمزاً لجماعة الإخوان ودليلاً على أسطورة اضطهادها وتضحياتها على مر الزمان.
إذن.. هذه صورة سيد قطب تتقلب كما العملة ذات الوجهين بين أعضاء جماعة الإخوان، وخصومهم من التيارات السياسية الأخرى، الإخوان يرونه كما قلنا مفكراً وشهيداً، وأهل القوى المدنية يرونه منظرا للإرهاب والتكفير.. وما بين النظرتين المتناقضتين يكشف سيد قطب أمراض الطرفين- الإخوان والقوى المدنية -.
قبل 61 عاماً من الآن وتحديدا فى أغسطس 1952 كتب سيد قطب عدة مقالات عن تحركات الجيش فى أيام الثورة، وعن الإجراءات الاستثنائية التى اتخذها عبدالناصر ورفاقه من أجل إحكام قبضة مجلس قيادة ثورة يوليو على البلد بعد الخلاص من الملك..
ما كتبه سيد قطب فى هذا الوقت يمكنك أن تستخدمه الآن كما المرايا التى تعكس تشوه أفكار الإخوان والقوى المدنية وقدرة كل طرف فيهم على تزييف الوعى وكسر عنق الحقائق لكى تتواكب مع مصالحهم الشخصية..
داخل السطور التى كتبها سيد قطب فى جريدة الأخبار ومجلة الإذاعة والتليفزيون ستجد أن ما تنادى به القوى المدنية من إطلاق عنان السحل والقمع تحت شعار حماية الثورة، هو نفسه الذى كان ينادى به سيد قطب الذى يعتبره أهل التيار المدنى منظرا للعنف والإقصاء، وفى نفس السطور ستجد أن ما يعتبره الإخوان خيانة وانقلابا عسكريا وصفه سيد قطب الذى يراه الإخوان شهيداً ومفكراً مخلصاً بأنه واجب وطنى يستدعى دفع الجيش لأدائه دون الوقوف على الحياد لأن مصلحة الوطن أهم.
تعالى بكل تركيزك لتقرأ بعض ما كتبه فى جريدة الأخبار بتاريخ 15 أغسطس 1952 وتكتشف أن كل الكتاب والمفكرين والسياسيين الذين يرون قطب إرهابياً ومنظراً للعنف يكتبون عن تحركات الجيش عقب 30 يونيو 2013 ما كتبه الرجل قبل عشرات السنين بعد تحركات الجيش فى 23 يوليو 1952 وعقب مظاهرات العمال وحادثة خميس والبقرى على وجه التحديد: (هذه الحركات أيا كانت بواعثها وأسبابها لا تخيفنا كما قلت، لأننا كنا نتوقع ما هو أشنع منها. إن عهداً بأكمله يلفظ أنفاسه الأخيرة، فى قبضة قوية مكينة، فلابد أن يرفس برجليه، وأن يطوح بذراعيه، ولكنه عهد قد انتهى، إنما المهم الذى نملكه نحن أن نسرع فى الإجهاز عليه. أن تكون المدنية حامية، فلا يطول الصراع، ولا تطول السكرات! لقد أطلع الشيطان قرنيه. فلنضرب. لنضرب بقوة. ولنضرب بسرعة. أما الشعب فعليه أن يحفر القبور وأن يهيل التراب).
إذا استجبنا لرغبة الإخوان فى المقارنة بين تحركات الجيش فى 52 وتحركات الجيش فى 2013 لإزاحة حكم مرسى استجابة للمظاهرات الشعبية، سيفرض علينا ذلك أن نستكمل باقى المقارنة بخط يد سيد قطب الذى وصف السلطة التى أزاحها الجيش بأنها ستظل ترفس برجليها وتطوح بذراعيها دون أن تفهم أن عهدها قد انتهى وهو ما تجسده مظاهرات الإخوان ومسيراتهم المثيرة للقلق والعنف فى كل مكان، وإذا كان الإخوان يرفضون الطريقة التى تتعامل بها السلطة الحالية مع مسيراتهم وخططهم لإشاعة الفوضى فى البلد، فهل يقبلون بالسيناريو الذى وضعه سيد قطب لهذا النوع من المواجهات حينما نصح الجيش بأن يسرع بالإجهاز على رموز العهد الماضى وأن يضرب بقوة وبسرعة هذا الشيطان الذى يطل بقرنيه لإفساد الثورة، ولم تتوقف نصائح قطب عند الجيش، وقدم نصائحه للشعب أيضاً مطالباً جموع الناس بأن تحفر القبور وتهيل التراب على بقايا السلطة القديمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة