الحركة الإسلامية المصرية هى أقدم حركة إسلامية فى البلاد العربية كلها، وهى التى نشأت بعد سقوط الخلافة العثمانية بعدة سنوات كردة فعل لسقوطها، وكبديل يحاول جمع شتات الدعاة، وأهل الدين تحت لوائها، ويبدو أن ذلك تم فى لحظة ضعف إسلامية شديدة ومحاولات قاسية للتغريب والفرنجة لا تميز بين الاستيراد المحمود للحضارة العلمية والصناعية من الغرب، والتقليد المذموم للقيم الغربية الاجتماعية والأخلاقية المنافية للإسلام. المهم أنه طوال 80 عاما ً كاملة تعودت أطياف الحركة الإسلامية المصرية كافة على نمط الجماعة ولم تتعود على نمط الدولة، ولم تدخل فى دولاب الدولة، وظلت فى دولاب الجماعة، وذلك نتيجة الصراعات المتعددة والمتواصلة بينها وبين النظم الحاكمة لمصر منذ الملك فاروق وحتى اليوم، وظل قادة الحركة وأبناؤها يجيدون دور المعارضة، ويعيشون مأساة «عبدالله المعتقل والمسجون والمقتول»، ويحسنون الدعوة والتربية وخاصة فى أيام المحن والشدائد، ويتقنون الحشد فى مواجهة الحكومات الواحدة تلو الأخرى. وبدلاً من الاعتراف بالفرق بين إدارة حركة وجماعة دعوية تربوية وسياسية معارضة وإدارة دولة ومجتمع متعدد الأطياف عريق المؤسسات.. إذا بنا نهمل هذا الفرق الشاسع بين إدارة هذه وتلك، ونحاول دمج الدولة بمؤسساتها فى الجماعة وليس العكس، وإذابة الصغير فى الكبير وإدخال الفيل فى الإبريق رغماً عن كل السنن الكونية التى تحول بيننا وبين ذلك.
وكان من الأولى بنا أن نفك طلاسم هذا النمط الجديد علينا فى إدارة الدولة وقيادة مؤسساتها والولوج إلى ذلك برفق وأناة، وإشراك الآخرين من ذوى الخبرة السابقة والتعلم منهم تدريجياً بدلاً من إهالة التراب عليهم بحجة أو بأخرى. لقد حاولنا قيادة الدولة بنظرية التجربة والخطأ التى ترضى بها الجماعات ويتسامح أفرادها مع قادتها لوفور إيمانهم وعظيم استعدادهم للتضحية. لقد استفاد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من خالد بن الوليد صاحب العبقرية العسكرية قبل الإسلام وبعده فصنع منه قائدا عظيما وفى المقابل صنع خالد للإسلام مجدا عظيما وكان يمكن للرسول «صلى الله عليه وسلم» أن يهيل التراب عليه، لأنه السبب الحقيقى فى هزيمة المسلمين فى غزوة أحد.
واستفاد العبقرى ابن الخطاب من عمرو بن العاص صاحب فكرة فتح مصر وأدرى الناس بها، رغم عداوته السابقة للإسلام واشتراكه مع خالد بن الوليد فى هزيمة المسلمين فى أحد، ليستفيد عمرو بن العاص السياسى الداهية من الإسلام ويستفيد الإسلام منه أعظم من استفادته لنفسه. وصنع رسول الله «صلى الله عليه وسلم» هذا مع عكرمة بن أبى جهل، وصفوان بن أمية وغيرهما. إننا نحتاج لقراءة السيرة النبوية من جديد مرة أخرى، لندرك أن دولاب الدولة الإسلامية تولاه المتخصصون من السياسيين ورجال الدولة، ولم يتوله الدعاة والمربون والفقهاء من أمثال أبى هريرة، وأبى ذر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وابن عباس رغم عظم مكانتهم عند الله، ليتعلموا ويجربوا فى الدولة، فالدولة ليست حقلاً للتجارب وعلينا أن نلج إليها برفق وأناة وتدرج، حتى يصير منا رجال دولة بحق، وعلى الدولة فى المقابل ألا تحرم الإسلاميين حقهم كما حرمتهم طويلا من ذلك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة