حول الجدل العقيم الذى يقارن بين ثورة 25 يناير، وثورة 30 يونيو، والانتصار لإحداهما على حساب الأخرى، أقول:
بعد ثورة 25 يناير، فوجئنا بجدل عقيم يقارن بينها وبين ثورة يوليو 1952، صال وجال شباب ممن كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم قيادات لثورة يناير على الفضائيات، تحدثوا عن أن ثورة يناير هى الثورة الحقيقية، أما ثورة يوليو فكانت حركة جيش ليس أكثر، وبلغ أحدهم حد مطالبته بإلغاء الاحتفال بثورة يوليو، وأن يكون عيد الثورة الحقيقى هو يوم 25 يناير، وفى إحدى اللقاءات على قناة دريم، كاد المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقى أن ينفجر غيظا، من إصرار شاب من هؤلاء على مواصلة السخرية من ثورة يوليو، قائلا: «نحن صنعنا ثورة حقيقية قدمناها إلى الشعب، ليس هناك أوصياء عليها»، فرد عليه الدسوقى: «الثورة تكون ثورة حقيقية حين تحكم، وتحقق أهدافها التى قامت من أجلها»، ضحك الشاب ضحكة بلهاء، وكأنه يقول للمؤرخ الكبير «تحدث كما تشاء فأنا لا أسمعك».
عبر هذا الجدل الغريب عن أزمة جيلية، كما عبر عن استعلاء واضح لقطاع من الشباب لا يرى إلا ما يقتنع به حتى لو حمل ذلك أخطاء معرفية، كما عبر عن جهل كبير فى قراءة تاريخ مصر، الذى لم يع فيه من قالوا بأنهم قيادات ثورة يناير بأن نضال الحركة الوطنية المصرية هو حلقات متصلة، فثورة يناير لا يمكن فصلها عن اليوم الذى تجسدت فيه إرادة المصريين باختيار محمد على حاكما لمصر، وخلع خورشيد باشا الوالى الذى عينته الدولة العثمانية، ولا يمكن فصلها عن ثورة عرابى، ونضال مصطفى كامل ومحمد فريد، وثورة 1919 ثم ثورة 1952.
فى هذا الجدل، رأينا من يدخل المعركة مسلحا بسلاح تصفية الحسابات مع ثورة يوليو وقائدها جمال عبدالناصر كجماعة الإخوان، وجماعات من اليسار «الطفولى» ووجودها فرصة لتقطيع فروة ثورة يوليو، هذا بالرغم من أن صورة جمال عبدالناصر كانت حاضرة بقوة فى ميدان التحرير أثناء الـ18 يوما ثورة، ومعها أغنيات المرحلة الناصرية التى كانت تلهب حماس المتواجدين فى الميدان، وفى حمى هذا الجدل العقيم تناسى مشعلوه بأن الثورة ليست فى مشهدها الأول، وإنما تأخذ معناها المتكامل والصحيح فى عملها الوطنى المتكامل الذى يسعى إلى تحقيق مجمل الأهداف الوطنية التى تفجرت من أجله.
من هذه الخلفية ننظر إلى الجدل الذى يطرحه البعض حاليا بأن ما حدث يوم 30 يونيو هو الثورة الحقيقية، أما 25 يناير فهو ليس ثورة، وهذا جدل عقيم يعيدنا إلى نفس مرض المناقشات السابقة، فما حدث يوم 30 يونيو هو موجة ثورية صححت ما أسفر عنه ما حدث فى 25 يناير، وكلاهما استكمال للنضال الوطنى للمصريين فى تاريخهم الحديث.
ليس معنى أن جماعة الإخوان شاركت متأخرة فى ثورة 25 يناير أن ننفى عنها صفة الثورة، وليس معنى أن ثورة 30 يونيو قامت ضد حكم مرسى وأهله وعشيرته أن نتهاون مع ما يراه «الأهل والعشيرة» بأنها انقلاب، فهذا نوع من التحرش ضد إرادة شعبية فرضت كلمتها بقوة فى الحدثين الكبيرين، ويبقى فى ذلك أن المعنى الثورى الحقيقى سيكتمل حين يتحقق مجمل الأهداف التى خرجت من أجلها الجماهير فى اليومين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة