ضربت أمريكا العراق بزعم امتلاكه للأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ثم اكتشفت أنه لا يمتلك شيئا، والآن يتكرر نفس السيناريو مع سوريا، وبعد تدميره لن يجدوا شيئاً، ولا أنسى حتى الآن تمثيلية وزير الدفاع الأمريكى "كولن باول" فى مجلس الأمن قبل اجتياح العراق، وهو يستعرض أمام الأعضاء خريطة "تختة الرمال"، ويشير بعصاه لأماكن تلك الأسلحة المحرمة دوليا، مدعما مزاعمه بصور التقطتها الأقمار الصناعية لكائنات مثل النمل تسير ببطء على الأرض.
ويؤكد أنها شاحنات ضخمة، يستخدمها صدام حسين فى تهريب الكيماوى من مكان لآخر، ورغم التضليل والغموض والشك، إلا أن غشاوة نزلت على عيون وعقول أعضاء المجلس، ففوض دول التحالف الدول للقيام بعمل عسكرى ضد العراق. كما ضربوا العراق دون أن يتأكدوا سيضربون سوريا دون أن يتأكدوا، وقبل أن تنتهى لجنة التحقيق الدولية من تحديد المسئول عن استخدام السلاح الكيماوى ضد المدنيين فى الحوطة، فهناك شك ولو بنسبة واحد فى المائة أن المتهم هو جيش سوريا الحر، وتقول إحدى الروايات أن بشار الأسد ليس مجنونا ليرتكب تلك الفعلة الشنعاء أثناء تواجد المفتشين الدوليين فى دمشق، وكان بوسعه لو خطط لذلك أن يؤجلها بعض الوقت حتى يبعد عن نفسه الشبهات، إلا إذا كان ينوى هدم المعبد فوق رؤوس الجميع وأولهم رأسه، وفى كل الأحوال سواء كان بشار هو الفاعل أو غيره، فالحرب ضد سوريا قرار خطير ولا ينبغى أن يقوم على الشبهات، بل الأدلة والقرائن القاطعة، حتى لا يضار الشعب السورى بجريمة ليس له ذنب فيها.
أمريكا تلجأ إلى "شيطنة" من تريد أن تحاربهم، وتأخذ الشعوب بأخطاء الحكام الذين يشقون عصا طاعتها، تغض الطرف عن ديكتاتوريات فاشية تسير فى ركابها، وتعلن الحرب على أنظمة ليست على هواها، وتستخدم فزاعة حقوق الإنسان لاغتيال حقوق الإنسان، وتدمير الدول وتشريد الشعوب، تبكى على قتلى بدموع الذئاب وتتساح مع مذابح يندى لها جبين البشرية، وتضيق وتوسع مفهوم "تهديد الأمن والسلم الدوليين" حسب نوعية القرار الذى تريد استصداره من مجلس الأمن، وأكن يبدو أن المجلس أراد أن ينقذ سمعته قبل الانهيار بسبب التبعية لأمريكا، فرفض التفويض بالحرب ضد سوريا، وحرم أوباما من ورقة التوت التى يغطى بها جريمته.
لا يهمنا أمريكا ولا بشار ولا الجيش الحر، ونتمنى آن يرحل الرئيس السورى عن الحكم دون إراقة دماء، والمهم هو الشعب السورى الطيب الكريم، الذى وهبه الله أرضا تفيض بالخير ومدنا وقرى مليئة بالجمال والسحر، كل ذلك تحول إلى أنقاض وخراب ودمار، وشعب كان عزيزاً تشرد فى مختلف البلدان يبحث عن الأمن ويتسول لقمة العيش، ومن كان يصدق أن دمشق الجميلة أصبحت مصبوغة بالدم ورائحة البارود، لم أنساها قط عندما زرتها قبل الخراب، وصليت الجمعة فى المسجد الأموى الذى ينشرح صدرك حين تطأه قدماك، وبجواره قبر صلاح الدين الأيوبى قاهر الصليبيين فى حطين، وسوق الحميدية، الذى يفوح منه عبق التاريخ، ونهر بردى الذى يشبه الشرايين الرفيعة فى شوارع دمشق، وأسأل نفسى: هل يمكن أن تشوه الحرب المسعورة كل هذا السحر الربانى؟.
"يا أمة الإسلام خلص منى الكلام"، ولم يعد أحد يسمع سوى التصعيد المجنون بالحرب ضد سوريا التى ستأتى على الأخضر واليابس، وأبناء العروبة الوطن والدين والإنسانية أصبحوا مثل النار التى تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، ويتقاتلون على جثث أوطانهم، ولا يشعرون بالخجل والعار وهم يستقوون بالأجنبى لغزو بلادهم وإجلاسهم على مقاعد الحكم، ليسوسوا شعوبا مقتولة ومجروحة ومنهكة ومشردة.. لعن الله السلطة التى تُشقى الأوطان وتقتل الشعوب وتدمر الحياة.. وحمى مصر من كل مكروه.