مرت الأيام ليصل عددها 365 يوما على فراق محمود الجوهرى رحمه الله.. والآن نشعر أكثر من أى وقت بقيمة هذا الرجل.. القامة والهامة.. الجوهرى الذى أعطى مصر كل شىء، ولم يبخل عليها بشىء.. كان دائمًا نموذجًا للوطنية.. نعم الوطنية التى ألزمته أن يصل للعالمية من أجل مصر، وحبًا فى مصر.
إنه الجوهرى - رحمه الله - رجل المواقف الخاصة جداً، الذى كان يبدأ محاضرته بحب مصر، وينهيها على سبورة تحمل علم مصر الذى حمله هو فى قلبه، ووضعه أمام عينيه، ليدلل للاعبيه أن للوطن علينا حق، وأن مصر التى فى خاطره هى صاحبة كل الحقوق الحصرية علينا جميعاً.. لم يقل الجوهرى يوماً ما لم يشعر به، وكان سباقاً لأداء الواجب الوطنى قبل أن يطالب رجاله به.
الجنرال أحد العشرة الكبار فى عالم الكرة باعتراف الأمم المتحدة الكروية «الفيفا»، لم يذق يوماً طعم الفشل.
الجوهرى- ولمن لا يعرف- نال نوطًا تفوقيًا من القوات المسلحة التى انتسب لها، وعمل فى سلاح «الاتصال»، ليساهم عبر تسليح نفسه بكل علوم الاتصال واللاسلكى، ورغم كونه ضابطًا رياضيًا فإنه شارك فى عودة جيش مصر العظيم عقب هزيمة «67»، ليكتشف القادة فجأة أن محمود الجوهرى هو الجوهرى نجم الكرة.. لكنه بكى من الهزيمة ورفضها، وكانت أسعد صورة تلك التى تنشر له مرتديًا بذلته العسكرية.
الجنرال الذى لقب بـ«سانتانا الكرة العربية» لأنه خلف البرازيلى الرهيب «تيلى سانتانا» فى تدريب أهلى جدة، عندما استدعته بلاده ليقود منتخبها المبهر عام 1986.. وبكل فخر رشحه البرازيلى الرهيب بعدما شاهد عدة أشرطة لعمل جنرالنا العظيم، رحمه الله.
نعم إنه الجوهرى الذى لم يخرج يومًا تاركًا معسكر فريقه للتسوق فى أى من بلاد العالم، كان بالفعل قديسًا ليس فى محراب الكرة فقط، إنما فى محراب الوطن.. هذا الرجل الذى كانت تبكيه فرحة المصريين وترفض عيناه النوم إذا لم يتحقق حلم مواطنيه، بل زاد على ذلك كثيراً، عندما تحمل كثيراً، ولم يخرج يوماً ليلعن محدودية الإمكانيات، ولا عقم الإدارة المعروف جداً فى بلادنا.
نعم هو الجنرال الذى لم يفت الاتحاد الأفريقى «الكاف» أن يرد له جميل وضع مدربى أفريقيا فى التصنيف العالمى ضمن العشرة الكبار عالمياً، فأخرجوا باسمه جائزة لم يكن غريباً أن تسمى «الأسطورة»، المؤكد أن كل مدربى القارة سيسعون للفوز بها.. إنها حقاً بطعم الأسطورة المصرية المحبوبة.
نعم إنه العملاق الذى لم نلتق فى بدايات مشوارنا الصحفى نجومًا مثل السيد كرمالى «جوهرى الجزائر»، رحمه الله أيضاً، إلا وإعطانا درساً فى ضرورة احترام جنرال الكرة المصرية، ورفعه لقمة الكرة، حتى ترقى الكرة لاسم مصر الذى أحبه «كرمالى» فأحببناه أيضاً.
نعم إنه الجوهرى الذى لا يمكن أن تلتقى السيد عبدالمجيد شتالى «جوهرى تونس»، متعه الله بالصحة، إلا وقال: انتبهوا فأنتم من بلاد الجوهرى، ويوماً ما وتحديداً عام 2004 حين كرم الجنرال - رحمه الله - فى تونس من قبل «الكاف» حين شملته قائمة العشرة العالمية، وأسعدنى زمانى أن أرافقه منذ صباح التكريم، لأرى كل إعلام العالم ينتظر صفًا لالتقاط كلماته، ليقول لى السيد شتالى الذى عاد لبلاده ليحضر تكريم حبيبه: أنتم لا تستحقون الجوهرى، وحاولت أن أقول له إننا نقدس كل ما يقدمه، لأجده يعتذر بأدب جم ليقول: أقصد منظومتكم الكروية هى التى لا تستحق الجنرال الكبير، لتلمع الدموع فى عيون الجوهرى، لكنه يبادره برد حاسم: شتالى، مصر أكبر منى بكثير، المهم أن يجلبوا الفرصة لنا!
يبدو أن السيد شتالى له بعض الحق، إنما الأيام هى التى تثبت أننا نحتاج كثيراً لإعادة صياغة جينات المصريين انتظاراً لأن تلد الست محروسة، وهى ولادة من يحبها كما عشقها ابنها البار محمود الجوهرى.. جنرال، أسطورة، ومواطن أحببناه كثيراً، لن نقول ذكراه لأنها معنا دائماً، بل نقول ننتظر جينات الجنرال.. ما أحوجنا لها.