لم نضبطه يوما متورطا بالحديث عن الدين والشرع والعدل، لكنه دائما يعيش حالة تكفير ذاتى لكل من حوله ومن فى مواجهته، وهو ليس حالة مفردة، لكنه نموذج من عشرات وربما مئات ممن يمنحهم البعض لقب «داعية»، بينما لم يثبت أنه دعا لشىء، وإنما يدعو على الناس والخصوم وكل من يختلف معه، نقصد المدعو وجدى غنيم وأمثاله من الذين أصبحوا يزاحمون بعضهم على يوتيوب ويحرص كل منهم على أن يبتكر كل ماهو شاذ ومثير من الشتائم والقذائف الإنشائية.
واللافت للنظر أن حاملى لقب داعية، تركوا الدين وانتقلوا لساحة السياسة، وليتهم أراحوا واستراحوا ونقلوا مواهبهم إلى عالم السياسة ومناوراته، وهى تتحمل الجدل والأخذ والرد، لكنهم فى الواقع يسيئون إلى الدين، ولا يقدمون جديدا للسياسة. ولا أحد يعرف أين يقيم وجدى غنيم، أو ماذا يفعل، ولصالح من يعمل؟ وقد سبق وتصادم مع التونسيين بعد أن أطلق شتائمه ضد بعضهم، فى معركة لايعرف عنها شيئا.
ويزدحم قاموس وجدى غنيم بكل مالذ وطاب من الشتائم والحيوانات من حمير وكلاب، مع وصلات التحريض. ناهيك عن التكفير الذى يمثل عاملا مشتركا فى كل كلماته وتسجيلاته، التى تظهره فى صورة غير المستقر عصبيا ونفسيا. وغالبا لايمكن تبين ماذا يريد قوله غير توجيه منصة الشتائم إلى خصوم وهميين. وقد لعب وجدى وغيره من الحناجرة، وحاملى «المكفرة» يسيئون إلى الإسلام أكثر مما يخدمونه، تماما مثلما فعل عشرات الإرهابيين من ضعاف الثقافة الذين انتشروا فى أوروبا منذ التسعينيات، وكانوا يطلقون على أنفسهم كنيات خشنة، وكانت وسائل الإعلام الغربية تركز عليهم، لتقدم الدليل على اتهاماتها للمسلمين، بينما كان يتم تجاهل عشرات من الدعاة الحقيقيين. الذين انتقل بعضهم إلى عالم السياسة، وجذبتهم الشتائم والإساءات أكثر مما جذبتهم الدعوة.
وحتى شخص مثل الدكتور القرضاوى انتقل هو الآخر إلى خانة أصوات السياسة، من باب الدين، وتخلى كثيرا عن تاريخه لينتقل إلى صورة من الهجوم والتحريض، بل إنه يوفر غطاء دعويا للولايات المتحدة، وحلف الأطلنطى، وهو دور يمكن لكثيرين فى السياسة القيام به، بينما الدعوة لايوجد كثيرون يمكنهم القيام بها.
ولو استسلمنا لنظرية المؤامرة، يمكن القول أن أغلب هؤلاء الحناجرة يعملون لصالح خصوم الإسلام، لأنهم بوجوههم العكرة وتعبيراتهم المخيفة، يقدمون الإسلام على أنه دين عنف وقسوة، بينما يتجاهلون الوجه السمح أو العدالة والرحمة والوسطية. ويبدو أن الدعوة المحضة، لم تعد تصنع نجومية أو جاذبية، ولهذا فقد غادر الدعاة عالم الدعوة للسياسة.
وبالعودة إلى وجدى غنيم وغيره ممن تحولوا إلى «مكفرة تمشى على قدمين»، ومثله كثيرون ممن كانوا فى معسكر الإخوان، أو مؤيدين للدكتور مرسى، فقد تفننوا طوال عامين فى تصدير صورة من الهجوم والتكفير والتهديدات، حتى وهم فى أكثر أزماتهم، بل إنهم اختلقوا معارك طائفية، لاوجود لها، وتعاملوا مع مواطنيهم على أنهم كفار وأعداء. وربما لم يكن العيب عليهم، لولا وجود مشجعين ومؤيدين يشربون من هؤلاء عصير الكراهية والعنف.