حنان شومان

آه يا ليل يا زمن.. وجرحى الثورة

الجمعة، 06 سبتمبر 2013 01:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان إحسان عبدالقدوس أقرب.. بل هو جزء من ثورة يوليو 52، تنبأ بها ودافع عنها، واصطف إلى جوار أبطالها، لكنه أيضاً اكتوى بنارها أحيانًا، ونقدها أحيانًا، وحللها فى مواضع أخرى، وكانت من بين أعماله الأدبية رواية بعنوان«جرحى الثورة» التى تحولت إلى فيلم سينمائى قامت ببطولته وردة، وشاركها البطولة رشدى أباظة. وعادة كانت الأفلام والروايات التى تحكى عن هذه الفترة تبالغ فى تصوير ظلم طبقة الباشوات والأغنياء للفقراء، وكيف انتصرت لحقهم الثورة، ولكن فى «جرحى الثورة» ذهب عبدالقدوس إلى الوجه الآخر للثورة، وكيف أنها فى طريقها دهست البعض وحطمتهم، حتى وإن كانت أنصفت البعض ورفعتهم.

نعم لكل ثورة جرحى، ولا أقصد بهم من أصابتهم رصاصة هنا أو هناك، أو حتى استشهدوا، لكنى أقصد بهم- كما قصد كاتبنا الكبير الراحل- ضحايا، فى مقابل آخرين يتكسبون ويكسبون منها، والضحايا أحيانا يكونون من أبنائها، والذين يتكسبون أو يكسبون يكونون مجرد راكبين على أكتافها، وتلك هى حكاية من حكايات الثورات فى كل مكان وزمان.. ضحايا ومنتصرون، ولكن حتى حين.. ورغم أن الثورة المصرية لم تنته بعد وتتضح معالمها، ويتضح بالتالى ضحاياها أو المنتصرون فيها، فإن لدى قصة حقيقية لصديق أعرفه جيداً، ربما سيكون قصة من بين قصص ضحايا الثورة، وما بعدها، فهو محام مرموق كان فى زمن مبارك أغلب أعماله لها علاقة برجال الأعمال، وهو مثقف متدين وقارئ جيد، أى أنه شخصية متزنة، وكان رغم قربه من رجالات عصر مبارك فإنه كان دائماً ما يحدثنى على الفساد الذى طال الأنوف، وليس الركب وحسب.

حين قامت ثورة يناير انقطعت بنا المسافات والاتصال، ثم بعد شهور تحدثنا، فوجدته فى حالة عصبية شديدة، وثورة عارمة، يهاجم الثورة التى احتضنتها، ويؤكد لى أنها مؤامرة، وتعجبت من تعليقه وهجومه وذكرته بكلماته حول الفساد للأنوف، فقال لى: الأمر لا علاقة له بالفساد، إنه خراب على مصر أكبر من الفساد، وقد أوعز لى بعض الأصدقاء المشتركين تفسير هذه الحالة أن الرجل فى حالة عدم اتزان ربما لفقدانه كثيرا من أعماله.. وللحق كان تفسيرا غير كاف ولا مقنع بالنسبة لى.. وكادت علاقتنا أن تنقطع أوصالها ككثير من علاقات الأصدقاء بعد الثورة لولا تمسكى بها، وإحساسى أن حالته حالة عارضة، كما مصر كلها. وجاء زمن الإخوان سريعاً، وبدا أن صديقى شعر بنوع من الراحة لتولى الإخوان الحكم، فكان يقول لى: هم أهل دين وتقوى، وكأن حكمهم كان يتماشى مع نزعته الدينية الواضحة بغير تطرف، وحين كنت أهاجمهم، سواء بهدوء أو بعنف لسوء فعلوه حاضراً، أو لتصور سوء سيفعلونه مستقبلا بناء على قراءة ماضيهم، كان الخلاف يحتد بيننا، ولكن ظلت رغم ذلك علاقتنا، لأنى كنت أُبقى دائمًا على شعرة معاوية، بينما تقطعت صلة الصديق بأغلب معارفه وأصدقائه بسبب دفاعه المستميت فى البداية عن الإخوان وزمانهم، ثم بدأت الحقيقة تتضح يوماً بعد يوم حول الإخوان وحكمهم الذى لا علاقة له بدين أو دنيا، وللحق تجنبت الحديث معه منذ فترة، لأننى كنت أشعر بالتأكيد بمرارة هزيمة الصديق، وهى هزيمة متكررة فى أقل من ثلاثة أعوام.

فى غرفة العناية المركزة فى أحد المستشفيات يقبع صديقى منذ أسابيع يعانى من حالة صحية متدهورة لا يعرف سببها الأطباء.. صديقى مثل كثيرين فى هذا الوطن ضحية نظامين، مبارك والإخوان، فأين سيذهب بهم القدر؟ وهل سيأتى من يكتب عنهم ولو بعد فترة كتاب «جرحى الثورة» ويصنع فيلمًا بعنوان «آه ياليل يا زمن» أو أى عنوان آخر؟.
خلّف نظام م
بارك والإخوان من بعده آلافاً من المصابين والشهداء، كما أن الثورة عليهما أيضاً خلفت آلافا بل ملايين من الجرحى تتفاوت جراحهم، فلا تستهينوا بجرح، لأننا صرنا شعبًا يحتاج إلى علاج جماعى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة